{ يُنَزّلُ الملائكة } بيانٌ لتحتم التوحيدِ حسبما نُبّه عليه تنبيهاً إجمالياً ببيان تقدّس جنابِ الكبرياءِ وتعاليه عن أن يحوم حوله شائبةُ أن يشاركه شيءٌ في شيء ، وإيذانٌ بأنه دينٌ أجمع عليه جمهورُ الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام وأُمروا بدعوة الناسِ إليه مع الإشارة إلى سر البعثةِ والتشريعِ وكيفية إلقاءِ الوحي ، والتنبيهِ على طريق علمِ الرسول عليه الصلاة والسلام بإتيان ما أوعدهم به وباقترابه إزاحةً لاستبعادهم اختصاصَه عليه الصلاة والسلام بذلك ، وإظهاراً لبُطلان رأيهم في الاستعجال والتكذيب ، وإيثارُ صيغةِ الاستقبال للإشعار بأن ذلك عادةٌ مستمرةٌ له سبحانه ، والمرادُ بالملائكة إما جبريلُ عليه السلام ، قال الواحدي : يسمَّى الواحدُ بالجمع إذا كان رئيساً أو هو ومَنْ معه من حفَظَة الوحي بأمر الله تعالى ، وقرئ يُنْزِل من الإنزال وتَنَزَّلُ بحذف إحدى التاءين وعلى صيغة المبني للمفعول من التنزيل { بالروح } أي بالوحي الذي من جملته القرآنُ على نهج الاستعارةِ ، فإنه يحيي القلوبَ الميتة بالجهل ، أو يقوم في الدين مقامَ الروح في الجسد ، والباء متعلقةٌ بالفعل أو بما هو حالٌ من مفعوله أي ملتبسين بالروح { مِنْ أَمْرِهِ } بيان للروح الذي أريد به الوحي ، فإنه أمرٌ بالخير أو حال منه أي حالَ كونِه ناشئاً ومبتدأً منه ، أو صفةٌ له على رأي من جوّز حذفَ الموصول مع بعضِ صلته أي بالروح الكائن من أمره الناشئ منه ، أو متعلقٌ بينزّل ومِنْ للسببية كالباء مثلُ ( ما ) في قوله تعالى : { مّمَّا خطيئاتهم } أي ينزلهم بأمره { على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } أي ينزِّلَهم به عليهم لاختصاصهم بصفات تؤهّلهم لذلك { أَنْ أَنْذِرُواْ } بدلٌ من الروح ، أي ينزّلهم ملتبسين بأن أنذِروا أي بهذا القول ، والمخاطَبون به الأنبياءُ الذين نزلت الملائكةُ عليهم ، والآمرُ هو الله سبحانه والملائكةُ نَقَلةٌ للأمر كما يُشعر به الباء في المبدَل منه ، و( أنْ ) إما مخففةٌ من أنّ وضميرُ الشأن الذي هو اسمُها محذوفٌ ، أي ينزلهم ملتبسين بأن الشأنَ أقول لكم : أنذِروا ، أو مفسّرةٌ على أن تنزيلَ الملائكة بالوحي فيه معنى القولِ ، كأنه قيل : يقول بواسطة الملائكةِ لمن يشاء من عباده : أنذروا فلا محل لها من الإعراب ، أو مصدريةٌ لجواز كون صلتِها إنشائيةً كما في قوله تعالى : { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ } حسبما ذكر في أوائل سورة هودٍ فمحلُّها الجرُّ على البدلية أيضاً ، والإنذارُ الإعلام خلا أنه مختصٌّ بإعلام المحذورِ من نذر بالشيء إذا علمه فحذِرَه ، وأنذره بالأمر إنذاراً أي أعلمه وحذره وخوفه في إبلاغه كذا في القاموس{[481]} أي أعلِموا الناس { أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ } فالضمير للشأن ، ومدارُ وضعِه موضعَه ادعاءُ شهرتِه المغنيةِ عن التصريح به ، وفائدةُ تصديرِ الجملة به الإيذانُ من أول الأمر بفخامة مضمونِها مع ما فيه من زيادة تقريرٍ له في الذهن ، فإن الضميرَ لا يفهم منه ابتداءً إلا شأنٌ مبهمٌ له خطر ، فيبقى الذهنُ مترقباً لما يعقُبه مترقباً فيتمكن لديه عند وروده فضلُ تمكن ، كأنه قيل : أنذروا أن الشأنَ الخطير هذا ، وإنباءُ مضمونِه عن المحذور ليس لذاته بل من حيث اتصافُ المنذَرين بما يضادُّه من الإشراك وذلك كافٍ في كون إعلامِه إنذاراً ، وقوله سبحانه : { فاتقون } خطابٌ للمستعجِلين على طريقة الالتفاتِ ، والفاءُ فصيحةٌ أي إذا كان الأمر كما ذكر من جريان عادتِه تعالى بتنزيل الملائكةِ على الأنبياء عليهم السلام وأمرِهم بأن ينذِروا الناسِ أنه لا شريك له في الألوهية ، فاتقون في الإخلال بمضمونه ومباشرةِ ما ينافيه من الإشراك وفروعِه التي من جملتها الاستعجالُ والاستهزاءُ . وبعد تمهيدِ الدليل السمعيِّ للتوحيد شُرِع في تحرير الأدلة العقلية فقيل : { خُلِقَ السماوات والأرض بالحق تعالى الله عما يشركون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.