{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مساجد الله } إنكارٌ واستبعاد لأن يكون أحدٌ أظلمَ ممن فعل ذلك أو مساوياً له وإن لم يكن سبكُ التركيب متعرِّضاً لإنكار المساواة ، ونفيُها يشهد به العرفُ الفاشِيْ والاستعمالُ المطّردُ فإذا قيل : مَنْ أكرمُ من فلان ؟ أو لا أفضلَ من فلان فالمرادُ به حتماً أنه أكرمُ من كل كريم وأفضلُ من كل فاضل ، وهذا الحكم عامٌ لكل من فعل ذلك في أي مسجد كان وإن كان سببَ النزول فعلُ طائفةٍ معينة في مسجد مخصوص . رُوي أن النصارى كانوا يطرَحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناسَ أن يصلوا فيه وأن الرومَ غزَوُا أهلَه فخرَّبوه وأحرقوا التوراة وقتلوا وسبوا وقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أن طِيطَيُوسَ الروميَّ ملكَ النصارى وأصحابَه غزوا بني إسرائيلَ وقتلوا مُقاتِلَتَهم وسبَوُا ذرارِيَهم وأحرقوا التوراةَ وخرَّبوا بيتَ المقدس وقذفوا فيه الجيفَ وذبحوا فيه الخنازيرَ ولم يزل خراباً حتى بناه المسلمون في عهد عمرَ رضي الله عنه ، وإنما أُوقعَ المنعُ على المساجد وإن كان الممنوعُ هو الناسَ لما أن فعلَهم من طرح الأذى والتخريب ونحوِهما متعلقٌ بالمسجد لا بالناس مع كونه على حاله . وتعلقُ الآيةِ الكريمة بما قبلها من حيث إنها مبطلةٌ لدعوى النصارى اختصاصَهم بدخول الجنة ، وقيل : هو منعُ المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخُلَ المسجد الحرام عامَ الحُدَيْبية فتعلُقها بما تقدمها من جهةِ أن المشركين من جُملة الجاهلين القائلين لكل مَنْ عداهم ليسوا على شيء .
{ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه } ثاني مفعولي ( منع ) كقوله تعالى : { وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ } [ الإسراء ، الآية 94 . وسورة الكهف ، الآية 55 ] ، وقوله تعالى : { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون } [ الإسراء ، الآية 59 ] ويجوز أن يكون ذلك بحذف الجارِّ مع أن وأن يكون ذلك مفعولاً له أي كراهة أن يُذكر فيها اسمُه { وسعى فِي خَرَابِهَا } بالهدم أو التعطيل بانقطاع الذكر { أولئك } المانعون الظالمون الساعون في خرابها { مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ } أي ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخضوعٍ فضلاً عن الاجتراء على تخريبها أو تعطيلها أو ما كان الحق أن يدخلوها إلا على حال التهيُّب وارتعادِ الفرائصِ من جهة المؤمنين أن يبطِشوا بهم فضلاً أن يستولوا عليها ويَلوُها ويمنعوهم منها أو ما كان لهم في علم الله تعالى وقضائه بالآخرة إلا ذلك فيكونُ وعداً للمؤمنين بالنُصرة واستخلاص ما استولَوْا عليه منهم وقد أُنجز الوعدُ ولله الحمد . رُوي أنه لا يدخل بيتَ المقدس أحدٌ من النصارى إلا متنكراً مسارقةً . وقيل : معناه النهيُ عن تمكنهم من الدخول في المسجد واختلف الأئمة في ذلك فجوّزه أبو حنيفة مطلقاً ومنعه مالك مطلقاً وفرَّق الشافعي بين المسجد الحرام وغيره { لَهُمْ } أي لأولئك المذكورين { فِي الدنيا خِزْي } أي خزي فظيعٌ لا يوصف بالقتل والسبي والإذلال بضرب الجزية عليهم { وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ } وهو عذابُ النار لما أن سببه أيضاً وهو ما حُكي من ظلمهم كذلك في العِظَم ، وتقديمُ الظرف في الموضعين للتشويق إلى ما يذكر بعدَه من الخزي والعذاب لما مر من أن تأخيرَ ما حقه التقديمُ موجبٌ لتوجه النفس إليه فيتمكن فيها عند وروده فضلَ تمكنٍ كما في قوله تعالى : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [ سورة الشرح ، الآية 1 ] { وَأَنزَلَ لَكُمْ منَ الأنعام ثمانية أزواج } [ الزمر ، الآية 39 ] إلى غير ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.