إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

وقولُه تعالى : { فِي الدنيا والآخرة } متعلقٌ إما بيُبيْن أي يبين لكم فيما يتعلق بالدنيا والآخرة الآيات وإما بمحذوفٍ وقع حالاً من الآيات أي يبينها لكم كائنةً فيهما أي مبيِّنةً لأحوالكم المتعلقةِ بهما ، وإنما قدم عليه التعليلُ لمزيد الاعتناءِ بشأن التفكر ، وإما بقوله تعالى : { تَتَفَكَّرُونَ } [ البقرة ؛ الآيات : 219 و266 ] أي تتفكرون في الأمور المتعلقة بالدنيا والآخرة في الأحكام الواردةِ في أجوبة الأسئلةِ المارّة فتختارون منها ما يصلُح لكم فيهما وتجتنبون عن غيره . وهذا التخصيصُ هو المناسبُ لمقام تعدادِ الأحكام الجزئيةِ ويجوزُ التعميمُ لجميع الأمور المتعلقة بالدنيا والآخرة بذلك حينئذ إشارةً إلى ما مر من البيانات كلاً أو بعضاً لا إلى مصدر ما بعده فإنه حينئذ فعلٌ مستقلٌ ليس بعبارة عن تلك البيانات والمرادُ بالآيات غيرُ ما ذكر والمعنى مثلَ ذلك البيان الوارد في الأجوبة المذكورة يبين الله لكم الآياتِ والدلائلَ لعلكم تتفكرون في أموركم المتعلقة بالدنيا والآخرة وتأخذون بما يصلح لكم وينفعُكم فيهما وتذرون ما يضرُّكم حسبما تقتضيه تلك الآياتُ المبينة .

{ ويسألونك عن اليتامى } عطفٌ على ما قبله من نظيره رُوي أنه لما نزلت { إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً } [ النساء ، الآية 10 ] الآية ، تحامى الناسُ عن مخالطة اليتامى وتعهُّد أموالهم فشق عليهم ذلك فذكروه للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت { قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ } أي التعرضُ لأحوالهم وأموالهم على طريق الإصلاح خيرٌ من مجانبتهم اتقاءً . { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ } وتعاشِروهم على وجهٍ ينفعهم { فَإِخوَانُكُمْ } أي فهم إخوانُكم أي في الدين الذي هو أقوى من العلاقة النسبية ، ومن حقوق الأخوة ومواجبها المخالطةُ بالأصلاح والنفعِ ، وقد حُمل المخالطةُ على المصاهرة { والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح } العلم بمعنى المعرفة المتعدية إلى واحد و( من ) لتضمينه معنى التمييز أي يعلم مَنْ يفسد في أمورهم عند المخالطة أو مَنْ يقصِد بمخالطته الخيانةَ والإفسادَ مُميِّز له ممن يُصلح فيها أو يقصد الإصلاح فيجازي كلاً منهما بعمله ، ففيه وعدٌ ووعيد خلا أن في تقديم المفسد مزيدَ تهديدٍ وتأكيداً للوعيد { وَلَوْ شَاء الله لأعْنَتَكُمْ } أي لو شاء أن يُعْنِتَكم أو يكلفَكم ما يشق عليكم من العنت وهو المشقة لفعل ولم يجوِّزْ لكم مداخلتَهم { إنَّ الله عَزِيزٌ } غالبٌ على أمره لا يعِزُّ عليه أمر من الأمور التي من جملتها إعناتُكم فهو تعليلٌ لمضمون الشرطية ، وقولُه عز وجل : { حَكِيمٌ } أي فاعل لأفعاله حسبما تقتضيه الحكمةُ الداعيةُ إلى بناء التكليف على أساس الطاقة ، دليلٌ على ما تفيده كلمة «لو » من انتفاء مقدمها .