{ فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا } أي أصدر زلَّتَهما أي زلَقَهما وحملهما على الزلة بسببها ، ونظيرُه عن هذه ما في قوله تعالى : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } [ الكهف ، الآية 82 ] أو أزلهما عن الجنة بمعنى أذهبَهما وأبعدهما عنها ، يقال : زلَّ عني كذا إذا ذهب عنك ، ويعضدُه قراءة ( أزالهما ) وهما متقاربان في المعنى . فإن الإزلالَ أي الإزلاق يقتضي زوالَ الزوالِ عن موضعه البتة . وإزلالُه قولَه لهما : { هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَ يبلى } [ طه ، الآية 120 ] وقوله : { مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين } [ الأعراف ، الآية 20 ] ، ومقاسَمتُه لهما : { إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين } [ الأعراف ، الآية 21 ] ، وهذه الآياتُ مشعرةٌ بأنه عليه السلام لم يؤمر بسُكنى الجنةِ على وجه الخلود بل على وجه التكرمةِ والتشريفِ لما قُلِّد من خلافة الأرض إلى حين البعث إليها .
واختُلف في كيفية توصُّله إليهما بعد ما قيل له : { فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } [ الحجر ، الآية 34 . وسورة ص ، الآية 77 ] فقيل : إنه إنما مُنع من الدخول على وجه التكرمة كما يدخُلها الملائكةُ عليهم السلام ولم يُمنَعْ من الدخول للوسوسة ابتلاءً لآدمَ وحواءَ ، وقيل : قام عند الباب فناداهما وقيل : تمثل بصورة دابةٍ فدخل ولم يعرِفْه الخَزَنة ، وقيل : دخل في فم الحية فدخَل معها ، وقيل : أرسل بعضَ أتباعه فأزلّهما والعلم عند الله سبحانه .
{ فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } أي من الجنة إن كان ضمير عنها للشجرة ، والتعبير عنها بذلك للإيذان بفخامتها وجلالتِها وملابستِهما له ، أي من المكان العظيم الذي كانا مستقِرَّيْن فيه أو من الكرامة والنعيم إن كان الضميرُ للجنة { وَقُلْنَا اهبطوا } الخطابُ لآدمَ وحواءَ عليهما السلام بدليل قوله تعالى : { قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً } [ طه ، الآية 123 ] وجُمعَ الضمير لأنهما أصلُ الجنس ، فكأنهما الجنسُ كلُّهم ، وقيل : لهما وللحية وإبليسَ على أنه أُخرج منها ثانياً بعدما كان يدخلها للوسوسة أو يدخلها مُسارقة ، وأُهبط من السماء وقرئ بضم الباء { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } حال استغني فيها عن الواو بالضمير أي متعادِين يبغي بعضُكم على بعض بتضليله ، أو استئنافٌ لا محل له من الإعراب ، وإفراد العدوّ إما للنظر إلى لفظ البعض وإما لأن وِزانَه وِزانُ المصدر كالقول : { وَلَكُمْ فِي الأرض } التي هي محلُّ الإهباط ، والظرفُ متعلق بما تعلق به الخبرُ أعني لكم من الاستقرار { مُّسْتَقَرٌّ } أي استقرارٌ أو موضعُ استقرار { ومتاع } أي تمتّعٌ بالعيش وانتفاعٌ به { إلى حِينٍ } هو حين الموت على أن المُغيَّا تمتُّع كلِّ فردٍ من المخاطبين ، أو القيامة ، على أنه تمتع الجنس في ضمن بعض الأفراد والجملة كما قبلها في كونها حالاً أي مستحقين للاستقرار والتمتع أو استئنافاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.