وأزلهَّما من الزلة وهي الخطيئة ، أي استنزلهما وأوقعهما فيها . وقرأ حمزة : «فأزلهما » بإثبات الألف من الإزالة وهي التنحية : أي نحاهما وقرأ : الباقون بحذف الألف . قال ابن كيسان : هو من الزوال ، أي : صرفهما عما كانا عليه من الطاعة إلى المعصية . قال القرطبي : وعلى هذا تكون القراءتان بمعنى ، إلاّ أن قراءة الجماعة أمكن في المعنى ؛ يقال منه : أزللته فزّل و { عَنْهَا } متعلق بقوله { أزلهما } على تضمينه معنى أصدر : أي أصدر الشيطان زلتهما عنها أي بسببها ، يعني الشجرة . وقيل : الضمير للجنة ، وعلى هذا فالفعل مضمن معنى أبعدهما : أي : أبعدهما عن الجنة .
وقوله : { فَأَخْرَجَهُمَا } تأكيد لمضمون الجملة الأولى أي : أزلهما إن كان معناه زال عن المكان ، وإن لم يكن معناه كذلك فهو تأسيس ، لأن الإخراج فيه زيادة على مجرد الصرف والإبعاد ونحوهما ، لأن الصرف عن الشجرة والإبعاد عنها قد يكون مع البقاء في الجنة ، بخلاف الإخراج لهما عما كانا فيه من النعيم والكرامة أو من الجنة ، وإنما نسب ذلك إلى الشيطان لأنه الذي تولى إغواء آدم حتى أكل من الشجرة . وقد اختلف أهل العلم في الكيفية التي فعلها الشيطان في إزلالهما ، فقيل : إنه كان ذلك بمشافهة منه لهما ، وإليه ذهب الجمهور واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : { وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين } [ الأعراف : 21 ] والمقاسمة ظاهرها المشافهة . وقيل : لم يصدر منه إلا مجرد الوسوسة ، وقيل غير ذلك مما سيأتي في المروي عن السلف .
وقوله : { اهبطوا } خطاب لآدم وحواء ، وخوطبا بما يخاطب به الجمع لأن الاثنين أقلّ الجمع عند البعض من أئمة العربية ، وقيل : إنه خطاب لهما ولذريتهما ؛ لأنهما لما كانا أصل هذا النوع الانساني جعلا بمنزلته ، ويدل على ذلك قوله { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } فإن هذه الجملة الواقعة حالاً مبيناً للهيئة الثابتة للمأمورين بالهبوط تفيد ذلك . والعدوّ خلاف الصديق ، وهو من عدا إذا ظلم ، ويقال : ذئب عدوان ، أي يعدو على الناس ، والعدوان : الظلم الصراح وقيل : إنه مأخوذ من المجاوزة ، يقال عداه : إذا جاوزه ، والمعنيان متقاربان ، فإن من ظلم فقد تجاوز . وإنما أخبر عن قوله : { بَعْضُكُمْ } بقوله : { عَدُوٌّ } مع كونه مفرداً ، لأن لفظ بعض وإن كان معناه محتملاً للتعدد ، فهو مفرد فروعي جانب اللفظ وأخبر عنه بالمفرد ، وقد يراعى المعنى فيخبر عنه بالمتعدد . وقد يجاب بأن { عَدُوٌّ } وإن كان مفرداً ، فقد يقع موقع المتعدد كقوله تعالى : { وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } [ الكهف : 50 ] وقوله : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العدو } [ المنافقون : 4 ] قال ابن فارس : العدوّ اسم جامع للواحد والاثنين والثلاثة . والمراد بالمستقرّ موضع الاستقرار ، ومنه :
{ أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } [ الفرقان : 24 ] وقد يكون بمعنى الاستقرار ، ومنه : { إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر } [ القيامة : 12 ] فالآية محتملة للمعنيين ، ومثلها قوله : { جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً } [ غافر : 64 ] والمتاع : ما يستمتع به من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها .
واختلف المفسرون في قوله : { إلى حِينٍ } فقيل إلى الموت ، وقيل إلى قيام الساعة . وأصل معنى الحين في اللغة : الوقت البعيد ، ومنه { هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ منَ الدهر } [ الإنسان : 1 ] والحين الساعة ، ومنه { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب } [ الزمر : 58 ] والقطعة من الدهر ، ومنه : { فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ حتى حِينٍ } [ المؤمنون : 54 ] أي : حتى تفنى آجالهم ، ويطلق على السنة ، وقيل : على ستة أشهر ، ومنه { تُؤْتِى أُكلَهَا كُلَّ حِينٍ } [ إبراهيم : 25 ] ويطلق على والصباح والمساء ، ومنه { حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم : 17 ] وقال الفراء : الحين حينان : حين لا يوقف على حده ، ثم ذكر الحين الآخر واختلافه بحسب اختلاف المقامات كما ذكرنا . وقال ابن العربي : الحين المجهول لا يتعلق به حكم ، والحين المعلوم سنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.