قوله : ( فَأَزَلَّهُمَا ) [ 35 ] .
أي استنزلهما ، ومن قرأ : ( فَأَزَالَهُمَا ) وهو حمزة( {[1655]} ) فمعناه نحّاهُما( {[1656]} ) .
والهاء في " عَنْها " تعود على الشجرة ، يعني حسدهما إبليس اللعين على ما كانا فيه ، فاستنزلهما وتكبر عن السجود لآدم صلى الله عليه وسلم .
وروى ابن القاسم( {[1657]} ) عن مالك أنه قال : " بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر والشح : حسد إبليس وتكبر على آدم ، وشح آدم ، فقيل له : كُلْ من شجر( {[1658]} ) الجنة إلا التي نهى/ عنها فشح فأكل منها " ( {[1659]} ) .
قال وهب بن منبه( {[1660]} ) : " لما أراد إبليس من آدم عليه السلام ما أراد دخل في جوف الحية ، وكان لها أربع قوائم كالبختية ، فدخلت الجنة ، وخرج إبليس إلى الشجرة وأخذ منها ، وجاء إلى حواء فقال لها : انظري( {[1661]} ) ما أطيب هذه الشجرة وأحلاها وأحسن ريحها . فأكلت منها ثم مضت إلى آدم صلى الله عليه وسلم( {[1662]} ) فقالت له مثل ما قال إبليس ، فأكل منها ، فبدت له سوأته( {[1663]} ) عند ذلك ، وقام فدخل( {[1664]} ) في جوف الشجرة . فقال الله تعالى : يا حواء أنت التي غررت عبدي ، فإنك لا تحملين حملاً إلا حملتيه كرهاً ، ولا تضعين ما في بطنك إلا أشرفت على الموت مراراً . ثم لعن( {[1665]} ) الحية لعنة تحولت قوائمها في بطنها ، ولا [ رزق لها( {[1666]} ) ] إلا التراب ، وجعلها عدوة لبني( {[1667]} ) آدم ، تهلكهم إذا لدغت أحدهم ويقتلونها إذا ظفروا بها " ( {[1668]} ) .
وقال ابن عباس : " أتى( {[1669]} ) إبليس اللعين ليدخل على آدم صلى الله عليه وسلم/ فمنعته الخزنة فقال للحية وهي كأحسن الدواب : أدخليني( {[1670]} ) في فقمك( {[1671]} ) ، أي في جانب فمك ، حتى أدخل الجنة ففعلت ومرت بالملائكة وهم لا يعلمون ما صنعت ، فخرج إلى آدم/ فقال : ( يَآدَمُ هَلَ اَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ )( {[1672]} ) ، كما حكى الله جل ذكره . وقال( {[1673]} ) له : هل أدلك على شجرة إن أكلت منها/ كنت ملكاً مثل الله سبحانه أو تكون( {[1674]} ) من الخالدين ، وحلف لهما بالله إني لكما من( {[1675]} ) الناصحين فأبى آدم عليه السلام أن يأكل ، فتقدمت حواء فأكلت ثم قالت : يا آدم ، كُلْ ، فإني قد أكلت فلم تضرني ، فلما أكل بدت لهما سوآتهما " ( {[1676]} ) .
وروي أنهما( {[1677]} ) لما أكلا من الشجرة سقط عنهما لباسهما وهو النور الذي كان ألبسهما( {[1678]} ) الله إياهما( {[1679]} ) ، فهرب آدم من ربه عز وجل مستتراً بورق الجنة ، فناداه ربه : أفراراً( {[1680]} ) مني يا آدم ؟ قال : بل حياء منك يا رب . ما ظننت أن( {[1681]} ) أحداً يقسم باسمك كاذباً ، فقال له( {[1682]} ) الله جل ذكره : أما خلقتك بيدي ؟ أما أسجدت لك ملائكتي ؟ أما نفخت فيك من روحي ؟ أما( {[1683]} ) أسكنتك في( {[1684]} ) جواري ؟ فَلِمَ عصيتني ؟ أخرج من جواري ، فلا يجاورني من عصاني ، فقال آدم : سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله أنت رب ، عملتُ سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي ، إنك خير الغافرين( {[1685]} ) . سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني ، إنك أرحم الراحمين . سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ربي( {[1686]} ) عملت سوءاً ، وظلمت نفسي فتب( {[1687]} ) علي/ إنك أنت التواب الرحيم " ( {[1688]} ) . فهذه الكلمات التي ألهمها( {[1689]} ) الله عز وجل .
قوله : ( فَتَابَ عَلَيْهِ )( {[1690]} ) [ 36 ] .
وروي( {[1691]} ) عن النبي [ عليه السلام( {[1692]} ) ] أنه قال : " لَمْ يَحْزَنْ حُزْنَ آدَمَ أَحَدٌ( {[1693]} ) قَطْ ؛ بَكَى أرْبَعينَ عاماً ، وسَجَدَ أرْبَعين عاماً تائِباً حَتَّى قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ " .
وقال الحسن : " بكى آدم عليه السلام على الجنة ثلاثمائة " .
وقال ابن( {[1694]} ) زيد " لو أن بكاء داود وبكاء جميع أهل( {[1695]} ) الأرض عدل ببكاء( {[1696]} ) آدم على الجنة ما عدله " ( {[1697]} ) .
وقال ابن إسحاق : " لما دخل إليهما إبليس بكى وناح عليهما كيداً منه . فقالا( {[1698]} ) له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي عليكما تموتان ، وتفارقان ما أنتما فيه ، فوقع ذلك في أنفسهما ، ثم وسوس إليهما وحلف لهما فأكلا منها " ( {[1699]} ) ، قال( {[1700]} ) : و " ذهب( {[1701]} ) آدم عليه السلام في الجنة هارباً لما أكل ، فقال له [ ربه : يا آدم ]( {[1702]} ) أمني تفر ؟ قال : لا يا رب ، ولكن حياء منك . قال الله : يا آدم : إنه( {[1703]} ) أوتيتَ مِن قِبل حواء . قال( {[1704]} ) : أي رب . قال الله : فإن لها علي أن أدميها في كل شهر مرة ، وأن أجعلها( {[1705]} ) سفيهة وأن أجعلها( {[1706]} ) تحمل كرهاً وتضع( {[1707]} ) كرهاً " ( {[1708]} ) .
وكان سعيد بن المسيب( {[1709]} ) يحلف بالله أن آدم ما أكل( {[1710]} ) من الشجرة وهو يعقل ، ولكن حواء سقته الخمر( {[1711]} ) ، حتى إذا سكر( {[1712]} ) قادته إليها فأكل( {[1713]} ) .
وقال( {[1714]} ) جماعة من أهل التأويل : " لم يدخل إبليس( {[1715]} ) الجنة وإنما وسوس إليه شيطانه الذي جعله الله ليبتلي به آدم وذريته ويأتي ابن( {[1716]} ) آدم في يقظته ونومه( {[1717]} ) ، وعلى كل حال . وقد قال تعالى : ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا( {[1718]} ) الشَّيْطَانُ )( {[1719]} ) ، وقال : ( يَا بَنِي ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ )( {[1720]} ) . فأخبرنا أن الذي أخرج أبانا هو( {[1721]} ) الذي يوسوس في صدورنا " ( {[1722]} ) .
وعن النبي [ عليه السلام ]( {[1723]} ) أنه قال : " إِنّ الشَّيْطانَ يَجْرِي( {[1724]} ) مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ " ( {[1725]} ) .
قوله : ( بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ )( {[1726]} ) [ 35 ] .
يعني آدم وحواء/ والحية/ وإبليس . فنزل إبليس أولاً نحو الأبلَّة في المشرق ، ونزل آدم على جبل من جبال الهند( {[1727]} ) ونزلت حواء بجَدة ، ونزلت الحية بأصبهان .
وروي أنه لما خرج إلى شقاء الدنيا أتاه جبريل عليه السلام فعلمه( {[1728]} ) كيف يحرث فحرث ، ثم زرع ، ثم حصد ، ثم درس ، ثم خبز( {[1729]} ) ثم أكل ، فلما عرض له الخلاء جاء وذهب وتردد ، وهو لا يدري( {[1730]} ) ما حدث به ولا ما يصنع ، فقعد( {[1731]} ) وتعصر فخرج منه الحدَث مُنتِنا ، فقال : يا رب ما هذا النتن ؟ فقال : هذه ريح( {[1732]} ) خطيئتك " .
قوله : ( وَلَكُمْ فِي الاَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) [ 35 ] .
أي قرار إلى حين ، وقيل : /القرار( {[1733]} ) في القبور ، وروي ذلك عن ابن عباس( {[1734]} ) .
قوله : ( وَمَتَاعٌ اِلَى حِينٍ ) [ 35 ] ، أي( {[1735]} ) إلى الموت .
وقيل : إلى قيام الساعة فتخرجون من القبور( {[1736]} ) .
وقيل ( اِلَى حِينٍ ) : إلى أجل قد علمه تعالى( {[1737]} ) .
وقال أبو( {[1738]} ) موسى الأشعري : " إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض ، علمه صنعة كل شيء ، وزوَّده من ثمار الجنة ، فثمركم هذه من ثمار الجنة ، غير أن هذه تتغير ، وتلك لا تتغير " ( {[1739]} ) .