الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ} (36)

قوله : ( فَأَزَلَّهُمَا ) [ 35 ] .

أي استنزلهما ، ومن قرأ : ( فَأَزَالَهُمَا ) وهو حمزة( {[1655]} ) فمعناه نحّاهُما( {[1656]} ) .

والهاء في " عَنْها " تعود على الشجرة ، يعني حسدهما إبليس اللعين على ما كانا فيه ، فاستنزلهما وتكبر عن السجود لآدم صلى الله عليه وسلم .

وروى ابن القاسم( {[1657]} ) عن مالك أنه قال : " بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر والشح : حسد إبليس وتكبر على آدم ، وشح آدم ، فقيل له : كُلْ من شجر( {[1658]} ) الجنة إلا التي نهى/ عنها فشح فأكل منها " ( {[1659]} ) .

قال وهب بن منبه( {[1660]} ) : " لما أراد إبليس من آدم عليه السلام ما أراد دخل في جوف الحية ، وكان لها أربع قوائم كالبختية ، فدخلت الجنة ، وخرج إبليس إلى الشجرة وأخذ منها ، وجاء إلى حواء فقال لها : انظري( {[1661]} ) ما أطيب هذه الشجرة وأحلاها وأحسن ريحها . فأكلت منها ثم مضت إلى آدم صلى الله عليه وسلم( {[1662]} ) فقالت له مثل ما قال إبليس ، فأكل منها ، فبدت له سوأته( {[1663]} ) عند ذلك ، وقام فدخل( {[1664]} ) في جوف الشجرة . فقال الله تعالى : يا حواء أنت التي غررت عبدي ، فإنك لا تحملين حملاً إلا حملتيه كرهاً ، ولا تضعين ما في بطنك إلا أشرفت على الموت مراراً . ثم لعن( {[1665]} ) الحية لعنة تحولت قوائمها في بطنها ، ولا [ رزق لها( {[1666]} ) ] إلا التراب ، وجعلها عدوة لبني( {[1667]} ) آدم ، تهلكهم إذا لدغت أحدهم ويقتلونها إذا ظفروا بها " ( {[1668]} ) .

وقال ابن عباس : " أتى( {[1669]} ) إبليس اللعين ليدخل على آدم صلى الله عليه وسلم/ فمنعته الخزنة فقال للحية وهي كأحسن الدواب : أدخليني( {[1670]} ) في فقمك( {[1671]} ) ، أي في جانب فمك ، حتى أدخل الجنة ففعلت ومرت بالملائكة وهم لا يعلمون ما صنعت ، فخرج إلى آدم/ فقال : ( يَآدَمُ هَلَ اَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ )( {[1672]} ) ، كما حكى الله جل ذكره . وقال( {[1673]} ) له : هل أدلك على شجرة إن أكلت منها/ كنت ملكاً مثل الله سبحانه أو تكون( {[1674]} ) من الخالدين ، وحلف لهما بالله إني لكما من( {[1675]} ) الناصحين فأبى آدم عليه السلام أن يأكل ، فتقدمت حواء فأكلت ثم قالت : يا آدم ، كُلْ ، فإني قد أكلت فلم تضرني ، فلما أكل بدت لهما سوآتهما " ( {[1676]} ) .

وروي أنهما( {[1677]} ) لما أكلا من الشجرة سقط عنهما لباسهما وهو النور الذي كان ألبسهما( {[1678]} ) الله إياهما( {[1679]} ) ، فهرب آدم من ربه عز وجل مستتراً بورق الجنة ، فناداه ربه : أفراراً( {[1680]} ) مني يا آدم ؟ قال : بل حياء منك يا رب . ما ظننت أن( {[1681]} ) أحداً يقسم باسمك كاذباً ، فقال له( {[1682]} ) الله جل ذكره : أما خلقتك بيدي ؟ أما أسجدت لك ملائكتي ؟ أما نفخت فيك من روحي ؟ أما( {[1683]} ) أسكنتك في( {[1684]} ) جواري ؟ فَلِمَ عصيتني ؟ أخرج من جواري ، فلا يجاورني من عصاني ، فقال آدم : سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله أنت رب ، عملتُ سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي ، إنك خير الغافرين( {[1685]} ) . سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني ، إنك أرحم الراحمين . سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ربي( {[1686]} ) عملت سوءاً ، وظلمت نفسي فتب( {[1687]} ) علي/ إنك أنت التواب الرحيم " ( {[1688]} ) . فهذه الكلمات التي ألهمها( {[1689]} ) الله عز وجل .

قوله : ( فَتَابَ عَلَيْهِ )( {[1690]} ) [ 36 ] .

وروي( {[1691]} ) عن النبي [ عليه السلام( {[1692]} ) ] أنه قال : " لَمْ يَحْزَنْ حُزْنَ آدَمَ أَحَدٌ( {[1693]} ) قَطْ ؛ بَكَى أرْبَعينَ عاماً ، وسَجَدَ أرْبَعين عاماً تائِباً حَتَّى قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ " .

وقال الحسن : " بكى آدم عليه السلام على الجنة ثلاثمائة " .

وقال ابن( {[1694]} ) زيد " لو أن بكاء داود وبكاء جميع أهل( {[1695]} ) الأرض عدل ببكاء( {[1696]} ) آدم على الجنة ما عدله " ( {[1697]} ) .

وقال ابن إسحاق : " لما دخل إليهما إبليس بكى وناح عليهما كيداً منه . فقالا( {[1698]} ) له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي عليكما تموتان ، وتفارقان ما أنتما فيه ، فوقع ذلك في أنفسهما ، ثم وسوس إليهما وحلف لهما فأكلا منها " ( {[1699]} ) ، قال( {[1700]} ) : و " ذهب( {[1701]} ) آدم عليه السلام في الجنة هارباً لما أكل ، فقال له [ ربه : يا آدم ]( {[1702]} ) أمني تفر ؟ قال : لا يا رب ، ولكن حياء منك . قال الله : يا آدم : إنه( {[1703]} ) أوتيتَ مِن قِبل حواء . قال( {[1704]} ) : أي رب . قال الله : فإن لها علي أن أدميها في كل شهر مرة ، وأن أجعلها( {[1705]} ) سفيهة وأن أجعلها( {[1706]} ) تحمل كرهاً وتضع( {[1707]} ) كرهاً " ( {[1708]} ) .

وكان سعيد بن المسيب( {[1709]} ) يحلف بالله أن آدم ما أكل( {[1710]} ) من الشجرة وهو يعقل ، ولكن حواء سقته الخمر( {[1711]} ) ، حتى إذا سكر( {[1712]} ) قادته إليها فأكل( {[1713]} ) .

وقال( {[1714]} ) جماعة من أهل التأويل : " لم يدخل إبليس( {[1715]} ) الجنة وإنما وسوس إليه شيطانه الذي جعله الله ليبتلي به آدم وذريته ويأتي ابن( {[1716]} ) آدم في يقظته ونومه( {[1717]} ) ، وعلى كل حال . وقد قال تعالى : ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا( {[1718]} ) الشَّيْطَانُ )( {[1719]} ) ، وقال : ( يَا بَنِي ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ )( {[1720]} ) . فأخبرنا أن الذي أخرج أبانا هو( {[1721]} ) الذي يوسوس في صدورنا " ( {[1722]} ) .

وعن النبي [ عليه السلام ]( {[1723]} ) أنه قال : " إِنّ الشَّيْطانَ يَجْرِي( {[1724]} ) مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ " ( {[1725]} ) .

قوله : ( بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ )( {[1726]} ) [ 35 ] .

يعني آدم وحواء/ والحية/ وإبليس . فنزل إبليس أولاً نحو الأبلَّة في المشرق ، ونزل آدم على جبل من جبال الهند( {[1727]} ) ونزلت حواء بجَدة ، ونزلت الحية بأصبهان .

وروي أنه لما خرج إلى شقاء الدنيا أتاه جبريل عليه السلام فعلمه( {[1728]} ) كيف يحرث فحرث ، ثم زرع ، ثم حصد ، ثم درس ، ثم خبز( {[1729]} ) ثم أكل ، فلما عرض له الخلاء جاء وذهب وتردد ، وهو لا يدري( {[1730]} ) ما حدث به ولا ما يصنع ، فقعد( {[1731]} ) وتعصر فخرج منه الحدَث مُنتِنا ، فقال : يا رب ما هذا النتن ؟ فقال : هذه ريح( {[1732]} ) خطيئتك " .

قوله : ( وَلَكُمْ فِي الاَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) [ 35 ] .

أي قرار إلى حين ، وقيل : /القرار( {[1733]} ) في القبور ، وروي ذلك عن ابن عباس( {[1734]} ) .

قوله : ( وَمَتَاعٌ اِلَى حِينٍ ) [ 35 ] ، أي( {[1735]} ) إلى الموت .

وقيل : إلى قيام الساعة فتخرجون من القبور( {[1736]} ) .

وقيل ( اِلَى حِينٍ ) : إلى أجل قد علمه تعالى( {[1737]} ) .

وقال أبو( {[1738]} ) موسى الأشعري : " إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض ، علمه صنعة كل شيء ، وزوَّده من ثمار الجنة ، فثمركم هذه من ثمار الجنة ، غير أن هذه تتغير ، وتلك لا تتغير " ( {[1739]} ) .


[1655]:- وقرأ الباقون بتشديد اللام وبغير ألف. انظر: كتاب السبعة 54. والكشف 1/235، والتبصرة 148، والتيسير 73، وكتاب العنوان 69، والحجة 94، والنشر 2/211.
[1656]:- انظر: غريب القرآن 4، والكشف 1/235، والحجة 94.
[1657]:- هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي أبو محمد المدني. فقيه، ثقة، مشهور. وروى عن أبيه وعن أسلم العدوي وروى عنه شعبة ومالك. انظر: تذكرة الحفاظ 356-357 وتقريب التهذيب 1/495، والخلاصة 2/149.
[1658]:- في ع3: شجرة.
[1659]:- انظر: المحرر الوجيز 1/180.
[1660]:- هو أبو عبد الله وهب بن منبه الصنعاني، مفسر، حافظ، من خيار التابعين. روى عنه ابن عباس وجابر، وروى عنه عمرو بن دينار، أخرج له الشيخان (ت110هـ). انظر: تذكرة الحفاظ 100-101، والخلاصة 3/138.
[1661]:- في ع1: انظر.
[1662]:- في ح: على محمد وعليه.
[1663]:- في ع3: سوءته.
[1664]:- في ع2: ودخل.
[1665]:- في ق: لحن.
[1666]:- في ع3: رزقها.
[1667]:- في ق: بني.
[1668]:- انظر: جامع البيان 1/525-526 وتفسير القرطبي 1/312-313 وهو أيضاً قول ابن مسعود. انظر: تفسيره 2/56، [هذا وأمثاله من الإسرائيليات، ومرجعه إلى وهب وهو من سلمه أصل الكتاب، ووسوسة إبليس لآدم عليه السلام لا تتوق على دخوله في جوف الحية، فقد يوسوس إليه وهو على بعد أميال منه، والحية خلقها الله يوم خلقها على هذا، ولم تكن لها قوائم كالبختية. انظر: الإسرائيليات للدكتور أبي شهبة ص 180]، المدقق.
[1669]:- في ع3: أتى إلى.
[1670]:- في ع1، ع2، ق، ع3: أدخلني.
[1671]:- في ق: فمك.
[1672]:- طه آية 117.
[1673]:- سقط حرف الواو من ق.
[1674]:- في ق: تكونا.
[1675]:- في ق: لمن.
[1676]:- جامع البيان 1/527، وروي مثله عن ابن مسعود. انظر: تفسيره 2/56.
[1677]:- في ع3: أنها. وهو تحريف.
[1678]:- في ع2: لبسهما.
[1679]:- سقط من ق.
[1680]:- في ق: أفرار.
[1681]:- سقط من ع3.
[1682]:- سقط من ق، ع3.
[1683]:- في ق: لما.
[1684]:- سقط من ع3.
[1685]:- قوله: "سبحانك اللهم... الغافرين" ساقط من ع2.
[1686]:- سقط من ع3.
[1687]:- في ع2: فثبت.
[1688]:- أخرج الطبري في تفسيره 1/545 جزءاً منه عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية.
[1689]:- ف ق: أفهمه. وهو تحريف.
[1690]:- في ع2: عليه إنه هو التواب الرحيم.
[1691]:- سقط من ع2، ع3.
[1692]:- في ع2 ق، ع3: صلى الله عليه وسلم.
[1693]:- سقط من ع3.
[1694]:- في ق: أبو.
[1695]:- سقط من ع3. وفي ع2: أصل.
[1696]:- في ع3: بكاء.
[1697]:- والقول لابن عباس في الدر المنثور 1/131.
[1698]:- في ق: فقال.
[1699]:- انظر: جامع البيان 1/529.
[1700]:- القول لابن زيد في جامع البيان 1/529.
[1701]:- سقط من ق.
[1702]:- في ع2: رب.
[1703]:- في ع2، ق: إني. وهو تحريف.
[1704]:- سقط من ق.
[1705]:- في ع2: جعلها.
[1706]:- في ع2: جعلها.
[1707]:- قوله "وتضع كرهاً" ساقط من ق.
[1708]:- انظر: جامع البيان 1/529.
[1709]:- ابن حزن بن أبي وهب أبو محمد المخزومي، التابعي المشهور، العالم الثقة. روى عن عمر وعثمان وعلي، وروى عنه الزهري قتادة وغيرهما. (ت93هـ). وقيل 94هـ. انظر: طبقات ابن خياط 244، وتذكرة الحفاظ 54-56، وتقريب التهذيب 1/305. والخلاصة 1/390-391.
[1710]:- في ق: أكلا.
[1711]:- في ق: الحمد.
[1712]:- في ع3: أسكر.
[1713]:- انظر: جامع البيان 1/530، والمحرر الوجيز 1/188.
[1714]:- في ع3: قالت.
[1715]:- سقط من ع2، ع3.
[1716]:- في ع3: بن. وهو خطأ.
[1717]:- سقط من ق.
[1718]:- في ع2: إليه. وهو خطأ.
[1719]:- الأعراف آية 19.
[1720]:- الأعراف آية 26.
[1721]:- في ع3: وهو.
[1722]:- وهو قول ابن عباس ومحمد بن إسحاق في جامع البيان 1/532-533.
[1723]:- في ع2، ع3: صلى الله عليه وسلم.
[1724]:- في ع3: ليجري.
[1725]:- انظر: سنن الدارمي 2/320.
[1726]:- قوله: "أنه قال.. لبعض عدو" ساقط من ق.
[1727]:- في ق: السند.
[1728]:- في ق: فعلته، وهو تحريف.
[1729]:- في ع3: خبر. وهو تصحيف.
[1730]:- سقط من ع3.
[1731]:- سقط من ع3.
[1732]:- في ع3: ريحة.
[1733]:- في ح: هو القرار.
[1734]:- في ح، ق: الحسن. وانظر:قول ابن عباس في جامع البيان 1/539.
[1735]:- سقط من ع3.
[1736]:- انظر: جامع البيان 1/540.
[1737]:- انظر: تفسير الغريب 46، وجامع البيان 1/540.
[1738]:- في ع3: ابن. وهو خطأ.
[1739]:- انظر: تفسير ابن كثير 1/80.