قوله عز وجل : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } .
قرأ حمزة وحده : { فَأَزَالَهُمَا } بمعنى نحَّاهُما من قولك : زُلْتُ عن المكان ، إذا تنحَّيْتَ عنه ، وقرأ الباقون : { فَأَزَلَّهُمَا } بالتشديد بمعنى استزلَّهما من الزلل ، وهو الخطأ ، سمي زلَلاً لأنه زوال عن الحقَّ ، وكذلك الزّلة زوال عن الحق ، وأصله الزوال .
والشيطان الذي أزلهما هو إبليس .
واختلف المفسرون ، هل خلص إليهما حتى باشرهما بالكلام وشافههما بالخطاب أم لا ؟ فقال عبد الله بن عباس ، ووهب بن منبه ، وأكثر المفسرين أنه خلص إليهما ، واستدلُّوا بقوله تعالى :
{ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ }
[ الأعراف : 21 ] وقال محمد بن إسحاق : لم يخلص إليهما ، وإنما أوقع الشهوة في أنفسهما ، ووسوس لهما من غير مشاهدة ، لقوله تعالى :
{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ }{[87]} ، والأول أظهر وأشهر .
وقوله تعالى : { فَأَخْرجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } يعني إبليس ، سبب خروجهما ، لأنه دعاهما إلى ما أوجب خروجهما .
قوله عزَّ وجلَّ : { وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } .
الهُبوط بضم الهاء النزول ، وبفتحها موضع النزول ، وقال المفضل : الهبوط الخروج من البلدة ، وهو أيضاً دُخولها ، فهو من الأضداد ، وإذا كان الهبوط في الأصل هو النزول ، كان الدخُول إلى البلدة لسكناها نزولاً بها ، فصار هُبوطاً .
واختلفوا في المأمور بالهبوط ، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه آدم وحواء وإبليس والحيَّةُ ، وهذا قول ابن عباس .
والثاني : أنه آدم وذريته ، وإبليس وذريته ، وهذا قول مجاهد .
والثالث : أنه آدم ، وحواء ، والمُوَسْوِسُ .
والعدو اسم يستعمل في الواحد ، والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ، والعداوة مأخوذة من المجاوزة من قولك : لا يَعْدوَنَّكَ هذا الأمْرُ ، أيْ لا يُجاوِزَنَّكَ ، وعداهُ كذا ، أي جازوه ، فَسُمِّيَ عَدُوّاً لمجاوزةِ الحدِّ في مكروه صاحبه ، ومنه العَدْوُ بالقَدَم لمجاوزة المشْيِ ، وهذا إخبار لهم بالعداوة وتحذير لهم ، وليس بأمر ، لأن الله تعالى لا يأمر بالعداوة .
واخْتُلِفَ في الَّذينَ قِيلَ لهم : { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عدُوٌّ } ، على قولين :
أحدهما : أنهم الذين قيل لهم اهبطوا ، على ما ذكرنا من اختلاف المفسرين فيه .
والثاني : أنهم بنو آدم وبنو إبليس ، وهذا قول الحسن البصري .
قوله عز وجل : { وَلَكُمْ في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ } فيه تأويلان :
أحدهما : أن المستقر من الأرض موضع مقامهم عليها ، لقوله تعالى :
{ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً }{[88]} ، وهذا قول أبي العالية .
والثاني : أنه موضع قبورهم منها ، وهذا قول السُّدِّيِّ .
قوله عز وجلَّ : { وَمَتَاعٌ إلى حينٍ } :
والمتاع كل ما اسْتُمْتِعَ به من{[89]} المنافع ، ومنه سُمِّيَتْ متعة النكاح ، ومنه قوله تعالى :
{ فَمَتِّعُوهُنَّ }{[90]} ، أي ادفعوا إليْهِنَّ ما ينتفعْنَ به ، قال الشاعر :
وَكُلُّ غَضَارَةٍ لَكَ من حَبِيب *** لها بِكَ ، أو لَهَوْتَ بِهِ ، مَتَاعُ
والحين : الوقت البعيد ، ف " حِينئِذٍ " تبعيد{[91]} قولِكَ : " الآن " ، وفي المراد بالحين في هذا الموضع ثلاثة أقاويل :
أحدها : إلى الموت ، وهو قول ابن عباس والسُّدِّيِّ .
والثاني : إلى قيام الساعة ، وهو قول مجاهد{[92]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.