إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاقكم } توبيخ من جهة الله تعالى وتكذيبٌ لهم في ادعائهم الإيمانَ بما أُنزلَ عليهم بتذكير جناياتِهم الناطقةِ بكَذِبهم أي واذكروا حين أخذنا ميثاقَكم { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور } قائلين : { خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واسمعوا } أي خذوا بما أُمرتم به في التوراة واسمعوا ما فيها سمعَ طاعةٍ وقَبول { قَالُواْ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال سائلٍ كأنه قيل : فماذا قالوا ؟ فقيل : قالوا : { سَمِعْنَا } قولَك { وَعَصَيْنَا } أمرَك فإذا قابل أسلافُهم مثلَ ذلك الخطابِ المؤكدِ مع مشاهدتهم مثلَ تلك المعجزةِ الباهرةِ بمثل هذه العظيمة الشنعاءِ وكفروا بما في تضاعيف التوبةِ فكيف يُتصوّر من أخلافِهم الإيمانُ بما فيها .

{ وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل } على حذف المضافِ وإقامةِ المضافِ إليه مُقامُه للمبالغة أي تَداخَلَهم حبُّه ورسَخَ في قلوبهم صورتُه لفَرْط شغَفِهم به وحِرصِهم على عبادته كما يَتداخل الصبغ الثوبَ والشرابُ أعماقَ البدن ، و( في قلوبهم ) بيانٌ لمكان الإشرابِ كما في قوله تعالى : { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } والجملة حالٌ من ضمير قالوا بتقدير قد { بِكُفْرِهِمْ } بسبب كفرِهم السابقِ الموجبِ لذلك ، قيل : كانوا مجسِّمة أو حلولية ، ولم يرَوا جسماً أعجبَ منه فتمكّن في قلوبهم ما سوَّل لهم السامريُّ { قُلْ } توبيخاً لحاضري اليهود إثرَ ما تبين من أحوال رؤسائِهم الذين بهم يقتدون في كل ما يأتون وما يذرون { بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إيمانكم } بما أنزل عليكم من التوراة حسبما تدّعون ، والمخصوصُ بالذم محذوفٌ أي ما ذكر من قولهم سمعنا وعصينا وعبادتِهم العجلَ ، وفي إسناد الأمرِ إلى الإيمان تهكّمٌ بهم ، وإضافةُ الإيمانِ إليهم للإيذان بأنه ليس بإيمانٍ حقيقة كما يُنبئ عنه قوله تعالى : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فإنه قدْحٌ في دعواهم الإيمانَ بما أنزل عليهم من التوراة وإبطالٌ لها ، وتقريرُه : إن كنتم مؤمنين بها عاملين فيما ذُكر من القول والعملِ بما فيها فبئسما يأمرُكم به إيمانُكم بها ، وإذ لا يسوِّغُ الإيمانَ بها مثلُ تلك القبائحِ فلستم بمؤمنين بها قطعاً . وجوابُ الشرط كما ترى محذوفٌ لدلالة ما سبق عليه .