إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (6)

{ والذين يَرْمُونَ أزواجهم } بيانٌ لحكم الرَّامين لأزواجِهم خاصَّة بعد بيانِ حكم الرامين لغيرهنَّ لكنْ لا بأن يكونَ هذا مخصصاً للمحصناتِ بالأجنبياتِ ليلزم بقاءُ الآيةِ السَّابقةِ ظنيةً فلا يثبتُ بها الحدُّ فإنَّ من شرائطِ التَّخصيصِ أنْ لا يكونَ المخصصُ متراخيَ النزولِ . بل بكونهِ ناسخاً لعمومها ضرورة تراخي نزولها كما سيأتي فتبقى الآيةُ السَّابقةُ قطعية الدِّلالةِ فيما بقيَ بعدَ النَّسخِ لما بُيِّن في موضعِه أنَّ دليلَ النَّسخِ غيرُ مُعلَّلٍ { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء } يشهدُون بما رَموهنَّ به من الزِّنى . وقرئ بتأنيثِ الفعل { إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } بدلٌ من شهداءُ أو صفةٌ لها على أن إلاَّ بمعنى غير جعلوا من جُملة الشُّهداء إيذاناً من أولِ الأمرِ بعدمِ إلغاءِ قولهم بالمرَّةِ ونظمِه في سلكِ الشَّهادةِ في الجُملةِ وبذلكَ ازدادَ حسنُ إضافةِ الشَّهادةِ إليهم في قوله تعالى : { فشهادة أَحَدِهِمْ } أي شهادةُ كلِّ واحدٍ منهُم وهو مبتدأٌ وقولهُ تعالى : { أَرْبَعُ شهادات } خبرُه أي فشهادتهم المشروعةُ أربعُ شهاداتٍ { بالله } متعلِّقٌ بشهاداتٍ لقُربِها وقيلَ بشهادةُ لتقدُّمِها . وقرئ أربعَ شهاداتٍ بالنَّصبِ على المصدرِ والعاملُ فشهادةُ على أنَّه إمَّا خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي فالواجبُ شهادةُ أحدهم ، وإمَّا مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ فشهادةُ أحدهم واجبةٌ { إِنَّهُ لَمِنَ الصادقين } أي فيما رَماها به من الزِّنا ، وأصلُه على أنَّه الخ فحُذفَ الجارُّ ، وكُسرتْ إنّ وعُلِّق العاملُ عنها للتَّأكيدِ .