بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (6)

ثم قوله عز وجل : { والذين يَرْمُونَ أزواجهم } ، يعني : يقذفون أزواجهم بالزنى . قال أبو الليث : حدّثنا أبو جعفر قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن أحمد قال : حدّثنا محمد بن الفضل قال : حدّثنا يزيد بن هارون ، عن عباد بن منصور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما نزل { والذين يَرْمُونَ المحصنات } الآية ، قال مسعد بن عبادة ، وهو سيد الأنصار : أهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « يَا مَعْشَرَ الأَنْصَاِر ، ألا تَسْمَعُونَ إلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ ؟ » . فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق ، وأنها من الله تعالى ، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل ، لم يكن لي أن أهيجه ، حتى آتي بأربعة شهداء . فوالله إني لا آتي بأربعة شهداء ، حتى يقضي حاجته . قال : فما لبثوا إلا يسيراً ، حتى جاء هلال بن أمية ، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم . فجاء من أرضه عشاء ، فوجد عند امرأته رجلاً ، فرأى بعينه وسمع بأذنه ، فلم يهجه حتى أصبح ، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلاً ، فرأيت بعيني وسمعت بأذني . فكره النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه .

واجتمعت الأنصار ، فقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة . الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ، ويبطل شهادته في المسلمين ، فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي مخرجاً . فوالله إن النبي صلى الله عليه وسلم ليريد أن يأمر بضربه ، إذ نزل عليه الوحي ، فعرفوا بذلك في تربد وجهه ، فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزل { والذين يَرْمُونَ أزواجهم } .

{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } ، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « أَبْشِرْ يا هِلالُ فَقَدْ جَعَلَ الله لَكَ مَخْرَجاً » . فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي . فأرسلوا إليها ، فجاءت فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما وذكرهما ، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا . فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت عليهما . فقالت : كذب علي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لاعِنُوا بَيْنَهُما » . فقيل لهلال : اشهد . فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ؛ فلما كانت الخامسة ، قيل : يا هلال ، اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . قال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها ، فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .

ثم قيل لها : اشهدي . فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فلما كانت الخامسة ، قيل لها : اتقي الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وان هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب ، فمكثت ساعة ثم قالت : والله لا أفضح قومي ، فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ، وقال : إن جاءت به أصيهب أريسج أثيبج خمش الساقين ، فهو لهلال . وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فهو للذي رميت به . فجاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لَوْلاَ الأَيْمَانُ ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ » قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميراً على مصر ولا يدعى لأب .

وروى ابن شهاب ، عن سهل بن سعد الساعدي : أن عويمر العجلاني أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن وجد الرجل مع امرأته رجلاً إن قتله قتلتموه أو كيف يفعل ؟ قال : « قَدْ أَنْزَلَ الله فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ قُرْآناً فَاذْهَبْ فَأْت بِهَا » فتلاعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما فرغا ، قال : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فهي طالق ثلاثاً . فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن شهاب : تلك سنة المتلاعنين ؛ وفي رواية أخرى : أنه فرق بينهما ؛ وقال الزهري : صار ذلك سنة في المتلاعنين ، فذلك قوله : { والذين يَرْمُونَ أزواجهم وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } يعني : الزوج خاصة .

{ فشهادة أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شهادات بالله إِنَّهُ لَمِنَ الصادقين } ، أي يحلف الزوج أربع مرات ، فيقول في كل مرة : أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أني صادق فيما رميتها به من الزنى