النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (6)

قوله : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } يعني بالزنى .

{ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ } يعني يشهدون بالزنى إلا أنفسهم وهذا حكم خص الله به الأزواج في قذف نسائهم ليلاعنوا فيذهب حد القذف عنهم .

وفي سبب ذلك قولان :

أحدهما : ما رواه عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل عليه حتى أنزل الله فيه هذه الآية{[2047]} .

الثاني : ما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سهل بن سعد أن عويمرا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع ؟ فأنزل الله هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ القُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ " . فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة فلاعنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظروا فَإِنْ جَاءتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ العَينَينِ عَظِيمَ الأَلِيَتِينِ خَدْلَجَ السَّاقِينِ فَلاَ أَحْسَبُ عُوَيمِراً إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيهَا ، وَإنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيمِرَ كَأَنَّهُ وَحْرَةٌ فَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ كَاذباً " . فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصديق عويمر وكان بعد ينسب إلى أمه . قال سعيد بن جبير : ولقد صار أميراً بمصر وإنه ينسب إلى غير أب{[2048]} .

فإذا قذف الرجل زوجته بالزنى كان له اللعان منها إن شاء وإن لم يكن ذلك لقاذف سواه ، لأن الزوج لنفي نسب ليس منه ورفع فراش قد عرّه مضطر إلى لعانها دون غيره ، فإذا أراد ذلك لاعن بينهما حاكم نافذ الحكم في الجامع على المنبر أو عنده ، ويبدأ بالزوج وهي حاضرة فيقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما قذفت به زوجتي هذه من الزنى بفلان إذا ذكره في قذفه ، وإن لم يذكره في لعانه كان لعانه نافذاً . وإن أراد نفي ولدها قال : إن هذا الولد من زنى ما هو مني فإذا أكمل ما وصفنا أعاده أربعاً كما قال الله تعالى :

{ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِم أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } والشهادة هنا يمين عبر عنها بلفظ الشهادة في قول مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة هي شهادة فرد بها لعان الكافر والمملوك ولو كانت شهادة ما جاز أن تشهد لنفسها وبلعنها ، والعرب تسمي الحلف بالله تعالى شهادة كما قال قيس بن الملوح :

وأشهَدُ عِنْدَ اللَّه أنِّي أُحِبُّها *** فهذَا لَهَا عِندي فَمَا عِنْدَها لِيا


[2047]:أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس، وأخرجه أحمد وأخرج أبو يعلى مثله من حديث أنس.
[2048]:رواه البخاري 9/ 321 في الطلاق وفي اللعان وفي تفسير سورة النور ومسلم 1492 لعان، ومالك في الموطأ 2/ 566، 567 طلاق ولعان وأبو داود 2245 إلى 2252 طلاق ولعان. والنسائي 6/ 170/ 171 طلاق ولعان. بروايات فيها بعض اختلاف انظر جامع الأصول 10/ 713 وما بعدها أسحم: أسود وهي الرواية المشهورة في الحديث. ادعج: ادعج العينين شديد سواد العينين مع سعتهما. ورجل ادعج: أسود. الوحرة: بفتح الحاء دويبة كالعظاءة تلصق بالأرض والمراد بها في الحديث المبالغة في قصر الرجل. خدلج: ضخم.