معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (6)

وقوله : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ 6 } يالزنَى نزلت في عاصم بن عَدِىّ لما أنزل الله الأربعة الشهودِ ، قال : يا رسول الله إن دخل أحدنا فرأي على بطنها رجلاً ( يَعنى امرأتَه ) احتاج أن يخرجَ فيأتيَ بأربعة شهداء إلى ذلك ما قد قضى حاجَته وخرج . وإن قتلته قُتلت 126 ب به . وإن قلت : فُعِل بها جُلدت الحدّ . فابتُلِى بها . فدخل على امرأته وعلى بطنها رجل ، فلا عن رسولُ الله صَلى الله عليه وسلم بينهما . وذلك أنها كذَّبته فينبغي أن يبتدئ الرجل فيشهدَ فيقول : واللهِ الذي لا إله إلا هو إنّي صادق فيما رميتُها به من الزنى ، وفي الخامسة ، وإنّ عليه لعنةِ الله إن كان من الكاذبينَ فيما رماها به منَ الزنى : ثم تقول المرأة فتفعَل مثل ذلك ، ثم تقوم في الخامسة فتقول : إنّ عليها غضبَ الله إن كان من الصَّادقينَ فيما رماها به مِن الزنى . ثم يفرَّق بينهما فلا يجتمِعان أبداً .

وأما رفع قوله { فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ } فإنه من جهتين . إحداهما : فعَليه أن يشهد فهي مضمرة ، كما أضمرتْ ما يرفع { فصيَامُ ثلاثةِ } وأشباهه ، وإن شئِت جعلت رفعه بالأربع الشهادات : فشهادته أربع شهادات كأنك قلت والذي يوجَب من الشهادة أربع ، كما تقول : من أسلم فصلاته خمس . وكان الأعمش ويحيى يرفعان الشهادة والأربع ، وسائر القراء يرفعون الشهادة وينصبونَ الأربع ؛ لأنهم يُضمرونَ للشهادة ما يرفعها ، ويوقعونها على الأربع . ولنصب الأربع وجه آخر . وذلك أن يجعل { بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } رافعة للشهادة كما تقول : فشهادتي أن لا اله إلا الله ، وشهادتي إن الله لَواحد . وكلّ يمين فهي تُرفع بجوابَها ، العرب تقول : حلِفٌ صَادقٌ لأقومنّ ، وشهادةُ عبدِ الله لتقومَنّ . وذلك أن الشهادة كالقول . فأنت تراه حَسَنا أن تقول : قَوْلي لأقومنَّ وقولي إنك لَقَائم .

و( الخامسة ) في الآيتين مرفوعتان بما بعدهما من أنّ وأنّ . ولو نصبتهما على وقوع الفعل كان صَواباً : كأنك قلتَ : وليشهد الخامسةَ بأنَّ لَعنة الله عليه . وكذلك فعلها يكون نصب الخامسة بإضمارِ تشهد الخامسة بأن غضبت الله عَليها .