غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (6)

1

الحكم الثالث : اللعان وسببه قذف الزوجات خاصة . القذف أمر محظور في نفسه إلا إذا عرض ما يباح أو يجب به . وتفضيل ذلك أنه إن رآها الزوج بعينه تزني ، أو أقرت هي على نفسها ووقع في قلبه صدقها ، أو سمع ممن يثق بقوله ، أو استفاض بين الناس أن فلاناً يزني بفلانة وقد رآه الزوج يخرج من بيتها ، أو رآه معها في بيت ، أبيح له القذف لتأكيد التهمة . ويجوز أن يمسكها أو يستر عليها لما روي أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي امرأة لا تردّ يد لامس . قال : طلقها . قال : إني أحبها . قال : فأمسكها أما إذا سمعه ممن لا يوثق بقوله ، أو استفاض ولكن لم يره الزوج معها أو بالعكس لم يحل له قذفها لأنه ربما دخل لخوف أو سرقة أو لطلب فجور وأبت المرأة هذا كله إذا لم يكن ثمة ولد يريد نفيه ، فإن كان ثمة ولد فإن تيقن أنه ليس منه بأن لم يكن وطئها أو وطئها لكنها أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الوطء أو لأكثر من أربع سنين يجب عليه نفيه باللعان لأنه ممنوع من استلحاق نسب الغير كما هو ممنوع من نفي نسبه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته . وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأشهاد من الأولين والآخرين " وإن احتمل أن يكون الولد منه بأن أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الوطء ولأقل من أربع سنين ، فإن لم يكن استبرأها بحيضة أو استبرأها وأتت به لدون ستة أشهر من وقت الاستبراء لم يحل له القذف والنفي ، وإن اتهمها بالزنا وإن استبرأها وأتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الاستبراء يباح له القذف والنفي ، والأولى أن لا يفعل لأنها قد ترى الدم على الحبل . وإن أتت امرأته بولد لا يشبهه كأن كانا أبيضين وأتت به أسود فإن لم يتهمها بالزنا فليس له نفيه لما " روى أبو هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن امرأتي ولدت غلاماً أسود فقال : هل لك من إبل ؟ قال : نعم . قال : ما لونها ؟ قال : حمر . قال : فهل فيها أورق ؟ قال : نعم قال : فكيف ذاك ؟ قال : نزعه عرق . قال : فلعل هذا نزعه عرق "

وإن كان يتهمها بزنا أو برجل فأتت بولد يشبهه فهل يباح نفيه ؟ فيه وجهان : أما سبب نزول الآية فقد قال ابن عباس : لما نزلت الآية المتقدمة قال عاصم بن عدي الأنصاري : إذا دخل منا رجل بيته ووجد رجلاً على بطن امرأته فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج ، وإن قتله قتل به ، وإن قال : وجدت فلاناً مع تلك المرأة ضرب ، وإن سكت سكت على غيظ ، اللهم افتح . وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له عويمر ، وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس ، فأتى عويمر عاصماً وقال : رأيت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة فاسترجع عاصم وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة الأخرى فقال : يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بهذا في أهل بيتي . أخبرني عويمر أنه رأى شريكاً على بطن امرأته ، وكان عويمر وخولة وشريك كلهم أبناء عم عاصم . فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً وقال لعويمر : اتق الله في زوجتك وابنة عمك ولا تقذفها . فقال : يا رسول الله أقسم بالله أني رأيت شريكاً على بطنها وأني ما قربتها منذ أربعة اشهر وأنها حبلى من غيري . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقي الله ولا تخبري إلا بما صنعت . فقالت : يا رسول الله إن عويمراً رجل غيور وإنه رأى شريكاً يطيل التردد ويتحدث فحملته الغيرة على ما قال فأنزل الله سبحانه هذه الآيات . { والذين يرمون أزواجهم } إلى آخرها . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودي بالصلاة جامعة فصلى العصر ثم قال لعويمر : قم وقل أشهد بالله أن خولة لزانية وإني لمن الصادقين . ثم قال في الثانية قل أشهد بالله إني رأيت شريكاً على بطنها وإني لمن الصادقين . ثم قال في الثالثة : قل أشهد بالله أنها حبلى من غيري وإني لمن الصادقين . ثم قال في الرابعة : قل أشهد بالله إنها زانية وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين . ثم قال في الخامسة : قل لعنة الله على عويمر يعني نفسه إن كان من الكاذبين فيما قاله . ثم قال : اقعد . وقال لخولة : قومي فقامت . وقالت : أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي عويمراً لمن الكاذبين . وقالت في الثانية : اشهد بالله ما رأى شريكاً على بطني وإنه لمن الكاذبين . وقالت في الثالثة : اشهد بالله إني حبلى منه وإنه لمن الكاذبين . وفي الرابعة : أشهد بالله إنه ما رآني على فاحشة قط وإنه لمن الكاذبين . وفي الخامسة : غضب الله على خولة إن كان عويمر من الصادقين في قوله . ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما . وعن ابن عباس أيضاً في رواية الكلبي أن عاصماً رجع إلى أهله فوجد شريكاً على بطن امرأته فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث كما تقدم . وفي رواية عكرمة عن ابن عباس : " لما نزلت آية القذف قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار : ولو وجدت رجلاً على بطنها فإني إن جئت بأربعة شهداء يكون قد قضى حاجته وذهب . فقال صلى الله عليه وسلم : يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم ؟ قالوا : يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور . فقال سعد : يا رسول الله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق ولكني عجبت منه . فقال صلى الله عليه وسلم : فإن الله أبى لي ذلك فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فقال : يا رسول الله إني وجدت مع امرأتي رجلاً رأيت بعيني وسمعت بأذني ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به فقال هلال : والله يا رسول الله إني لأرى الكراهية في وجهك مما أخبرتك به ، والله يعلم أني لصادق وما قلت إلا حقاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إما البينة وإما إقامة الحد عليك . فاجتمعت الأنصار فقالوا : ابتلينا بما قال سعد . فبيناهم كذلك إن نزل الوحي فقال : يا هلال أبشر فقد جعل الله لك فرجاً وأمر بالملاعنة وفرق بينهما وقال : أبصروها فإن جاءت به أصهب أحمش الساقين أي دقيقهما فهو لهلال ، وإن جاءت به أورق جعداً خدلج الساقين . أي ضخمهما فهو لصاحبه . فجاءت به خدلج الساقين فقال صلى الله عليه وسلم : لولا الإيمان لكان لي ولها شأن . قال عكرمة : لقد رأيته بعد ذلك أمير مصر من الأمصار لا يدري من أبوه .

واعلم أن الفرق بين قذف غير الزوجة وبين قذف الزوجة هو أن المخلص من الحد في الأول إقرار المقذوف بالزنا أو بينة تقوم على زناة ، وفي الثانية المخلص أحد الأمرين أو اللعان . وسبب شرع اللعان هو أنه لا مضرة على الزوج في زنا الأجنبي والأولى له ستره ، وأما في زنا الزوجة فيلحقه العار والشنار والنسب الفاسد فلا يمكنه الصبر عليه وتوقيفه على البينة كالمتعذر . وأيضاً الغالب أن الرجل لا يقصد رمي زوجته إلا عن حقيقة ، فنفس الرمي دليل على صدقه إلا أن الشرع أراد كمال شهادة الحال بقرينة الإيمان كما أن شهادة المرأة حين ضعفت أكدت بزيادة العدد فمن هنا قال كثير من العلماء : إن حد قاذف الزوجة كان هو الجلد وإن الله نسخه باللعان .

ولنذكر ههنا مسائل :

الأولى : قال الشافعي : إذا نكل الزوج عن اللعان لزمه الحد للقذف ، فإذا لاعن ونكلت عن اللعان لزمها حد الزنا .

وقال أبو حنيفة : إذا نكل الزوج يحبس حتى يلاعن وكذا المرأة . حجة الشافعي إذا لم يأت بالمخلص وهو الملاعنة وجب الرجوع إلى مقتضى آية القذف وهو الحد . وأيضا قوله { ويدرأ عنها العذاب } ليست اللام فيه للجنس لأنه لا يجب عليها جميع أنواع العذاب ، ولأن الآية تصير إذ ذاك مجملة فهو للعهد ولا معهود في الآية إلا حد القذف ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لخولة الرجم أهون عليك من غضب الله . وللمرأة أن تقول : إن كان الرجل صادقاً فحدّوني وإن كان كاذباً فخلوني فما بالي والحبس وليس حبسي في كتاب الله ولا سنة رسوله . حجة أبي حنيفة أن النكول ليس بصريح في الإقرار فلا يجوز إثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنا وغيره .

الثانية : الجمهور على أنه إذا قال " يا زانية " وجب اللعان لعموم قوله { والذين يرمون } وقال مالك : لا يلاعن إلا أن يقول : رأيتك تزني وينفي حملاً بها أو ولداً منها .

الثالثة : قال الشافعي : من صح رميه صح لعانه فلا يشترط إلا التكليف ، ويجري اللعان بين الذميين والمحدودين والرقيقين . وذهب أبو حنيفة إلى أن الزوج ينبغي أن يكون مسلماً حراً عاقلاً بالغاً غير محدود في القذف ، والمرأة ينبغي أن تكون بهذه الصفة مع العفة . فإذا كان الزوج عبداً أو محدوداً في قذف والمرأة محصنة حدّ كما في قذف الأجنبيات . دليل الشافعي عموم قوله { والذين يرمون أزواجهم } والإجماع . على أنه يصح لعان الفاسق والأعمى وإن لم يكونا من أهل الشهادة ، فكذا القول في غيرهما ، والجامع هو الحاجة إلى دفع العار . دليل أبي حنيفة حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي من النساء من ليس بينهن وبين أزواجهن ملاعنة اليهودية والنصرانية تحت المسلم والحّرة تحت المملوك والمملوكة تحت الحر . وأيضاً اللعان بين الزوجات قائم مقام الحد في الأجنبيات فلا يجب اللعان على من لا يجب عليه الحد لو قذفها أجنبي . وأيضاً اللعان شهادة لقوله تعالى { فشهادة أحدهم أربع شهادات } وقد جاء مثله في أحاديث اللعان . وإذا كان شهادة وجب أن لا يقبل من المحدود في القذف ولا من العبد والكافر . أجاب الشافعي بأن اللعان يمين مؤكدة بلفظ الشهادة أو يمين فيها شائبة الشهادات فلا يشترط في الملاعن إلا أهلية لليمين ، ومما يدل على أنه يمين قوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية : احلف بالله الذي لا إله إلا هو إنك صادق . وقوله : لولا الإيمان لكان لي ولها شأن . وأيضاً لو كان شهادة لكان حظ المرأة ثمان شهادات لأنها على النصف من الرجل ، ولم يجز لعان الفاسق والأعمى لأنهما ليسا من أهل الشهادة .

لا يقال : الفاسق والفاسقة قد يتوبان لأنا نقول : العبد أيضاً قد يعتق ، بل العبد إذا عتق تقبل شهادته في الحال ، والفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته إلا بعد الاختبار . ثم ألزم الشافعي أبا حنيفة بأن شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة فينبغي أن يجوز اللعان بين الذمي والذمية . ثم قال الشافعي بعد ذلك : وتختلف الحدود لمن وقعت له ، ومعناه أن الزوج إن لم يلاعن ينصف الحد عليه برقه ، وإن لاعن ولم تلاعن اختلف حدها بإحصانها وحريتها ورقها .

الرابعة : اختلف المجتهدون في نتائج اللعان ، فعن عثمان البتي أنه لا يحصل به الفرقة أصلاً لأن أكثر ما فيه أن يكون الزوج صادقاً في قذفه وهذا لا يوجب تحريماً كما لو قامت البينة عليها . وأيضاً إن تلاعنهما في بيتهما لا يوجب الافتراق فكذا عند الحاكم . وأيضاً إنه قائم مقام الشهود في الأجنبيات فلا يكون له تأثير إلا في إسقاط الحد . وأيضاً إذا أكذب الزوج نفسه ثم حدّ لا يوجب الفرقة فكذا اللعان . وأما تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين في قصة العجلاني فذلك لأن الزوج كان طلقها ثلاثاً قبل اللعان . وعن أبي حنيفة وأصحابه إلاَّ زفر ، أن الحاكم يفرق بينهما لما روى سهل بن سعد : مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم يجتمعان أبداً ، ولما في قصة عويمر كذبت عليها إن أمسكتها هي طالق ثلاثاً ، فلو وقعت الفرقة باللعان لم يمكن إمساكها . وقال مالك والليث وزفر : إذا فرغا من اللعان وقعت الفرقة بينهما وإن لم يفرق الحاكم ، لأنهما لو تراضيا على دوام النكاح لم يخليا فدل ذلك على وقوع الفرقة بينهما . وقال الشافعي : إذا فرغ الزوج وحده من اللعان حصل بذلك خمس نتائج : درء الحد عنه ، ونفي الولد ، والفرقة ، والتحريم المؤبد ، ووجوب الحد عليها . ولا تأثير للعان الزوجة إلا في دفع العذاب عن نفسها ، وما روي أنه صلى الله عليه وسلم فرق بينهما محمول على أنه أخبر عن وقوع الفرقة بينهما . وزعم أبو بكر الرازي أن قول الشافعي خلاف الآية ، لأنه لو وقعت الفرقة بلعان الزوج لاعنت المرأة وهي أجنبية ، ولكنه تعالى أوجب اللعان بين الزوجين ، وأيضاً اللعان شهادة فلا يثبت حكمها إلا عند الحاكم كسائر الشهادات . وأيضاً اللعان تستحق به المرأة نفسها كما يستحق المدعي ما ادعاه بالبينة فيتوقف على حكم الحاكم . وأيضاً اللعان لا إشعار فيه بالتحريم فهو كما لو قامت البينة على زناها فلا بد من إحداث التفريق إما من قبل الزوج أو من قبل الحاكم . ولقائل أن يقول : سميا زوجين باعتبار ما كان كالعبد على من عتق ، ولا نسلم أن اللعان شهادة محضة . ومما يؤكد قول الشافعي تنصيص الله سبحانه على ذلك بقوله { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد } ففيه دلالة على أن كل ما يجب باللعان من الأحكام فقد وقع بلعان الزوج إلا درء العذاب .

وأيضاً أن لعان الزوج مستقل بنفي الولد لأن الاعتبار في الإلحاق بقوله لا بقولها ، ألا ترى أنها في لعانها تلحق الولد به ونحن ننفيه عنه ، وإذا انتفى الولد عنه بمجرد لعانه وجب أن يكون الفراش زائلاً لقوله " الولد للفراش " .

الخامسة : مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف والثوري وإسحق ، أن المتلاعنين لا يجتمعان أبداً وهو قول علي وابن مسعود . ولما روي الزهري من حديث سهل بن سعد ، ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين بعد اللعان لا سبيل لك عليها . ولم يقل حتى تكذب نفسك ولو كان إلا كذاب غاية لهذه الحرمة ، وأنه إذا أكذب نفسه وحدّ زال تحريم العقد وحلت له بنكاح جديد لذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره }

[ البقرة : 230 ] وقد يحتج لأبي حنيفة بعموم قوله { فانكحوا ما طاب لكم من النساء }

[ النساء : 3 ] وقوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } [ النساء : 24 ] .

السادسة : اتفق أهل العلم على أن الولد ينتفي من الزوج باللعان . وخالف بعضهم مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " وزيف بأن الأخبار الدالة على أن الولد ينتفي باللعان كالمتواترة فلا يعارضها الواحد بل يجب تخصيصه بها .

السابعة : لو أتى ببعض كلمات اللعان لا يتعلق بها الحكم عند الشافعي وهو ظاهر وعن أبي حنيفة أن للأكثر حكم الكل إذا حكم به الحاكم .

الثامنة : كيفية اللعان كالصريحة في الآية وأن الحديث قد زادها بياناً كما مر . وقد عد الشافعي ومن سننها أن يقام الرجل حتى يشهد والمرأة قاعدة ، وتقام المرأة حتى تشهد والرجل قاعد ، ويأمر الإمام من يضع يده على فيه عند الانتهاء إلى العنة ويقول له القاضي أو صاحب المجلس : اتق الله فإنها موجبة . وهكذا يقال للمرأة إذا انتهت إلى الغضب . ومما يستحب في اللعان ولا يجب على الأصح ، التغليظ بالزمان . وهو ما بعد صلاة العصر ولاسيما عصر يوم الجمعة ، وبالمكان وذلك بمكة بين الركن والمقام ، وبالمدينة بين المنبر والمدفن ، وفي سائر البلاد عند المنبر في المسجد الجامع أيضا وهو المقصورة ، وفي بيت المقدس في المسجد الأقصى عند الصخرة ، ولليهود في الكنيسة ، وللنصارى في البيعة ، وللمجوس في بيت نارهم ، وإذا لم يكون له دين ففي مساجدنا إلا في المسجد الحرام . ولا بد من حضور الحاكم سواء كان مدار اللعان على اليمين أو على الشهادة ، ولا بد من حضور جمع من الأعيان أقلهم أربعة .

التاسعة : قال جار الله : إنما خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله تغليظاً عليها لأنها أصل الفجور ومنبعه بخلابتها وإطماعها ولذلك كانت متقدمة في آية الجلد .

العاشرة : في فوائد متعلقة بالآية منها : إبطال الجمهور وقول الخوارج إن الزنا والقذف كفر ، وذلك أن الرامي إن صدق فهي زانية وإن كذب فهو قاذف ، فلا بد من كفر أحدهما والردة توجب الفرقة من غير لعان : ومنها إبطال قول من زعم أن الزنا يوجب فساد النكاح لأن رمي الزوج إياها اعتراف منه بزناها بل بفساد النكاح على قول هذا القائل فتحصل الفرقة بلا لعان . ومنها أن المعتزلة قالوا : المتلاعنان يستحقان اللعن أو الغضب الموجبين للعقاب الأبدي المضاد للثواب وذلك يدل على خلود الفساق في النار . أجابت الأشاعرة بأن كونه مغضوباً عليه بفسقه لا ينافى كونه مرضياً عنه بجهة إيمانه فلا بد أن يحصل له بعد العقاب ثواب .

/خ10