{ يَا مَعْشَرَ الجن والإنس } شروعٌ في حكاية ما سيكون من توبيخ المعشَرَين وتقريعِهم بتفريطهم فيما يتعلق بخاصة أنفسِهم إثرَ حكايةِ توبيخِ معشر الجنِّ بإغواء الإنسِ وإضلالِهم وبيانِ مآلِ أمرِهم { أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أي في الدنيا { رُسُلٌ } أي من عند الله عز وجل لكن لا على أن يأتيَ كلُّ رسولٍ كلَّ واحدة من الأمم ، بل على أن يأتي كلَّ أمة رسولٌ خاصٌّ بها ، أي ألم يأتِ كلَّ أمة منكم رسولٌ معين ؟ وقوله تعالى : { منكُمْ } متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً لرسل أي كائنةٌ من جملتكم لكن لا على أنهم من جنس الفريقين معاً بل من الإنس خاصةً ، وإنما جُعلوا منهما إما لتأكيد وجوبِ اتباعِهم والإيذانِ بتقاربهما ذاتاً واتحادِهما تكليفاً وخطاباً ، كأنّهما جنسٌ واحد ، ولذلك تمكن أحدُهما من إضلال الآخَر ، وإما لأن المرادَ بالرسل ما يعمُّ رسلَ الرسلِ وقد ثبت أن الجن قد استمعوا القرآن وأنذروا به قومَهم حيث نطق به قوله تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً منَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرآن } إلى قوله تعالى : { وَلَّوْا إلى قَوْمِهِم مُنذِرِينَ } [ الأحقاف ، الآية 29 ] . وقوله تعالى : { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتي } صفةٌ أخرى لرسلٌ محققةٌ لما هو المرادُ من إرسال الرسل من التبليغ والإنذارِ ، وقد حصل ذلك بالنسبة إلى الثقلين { وَيُنذِرُونَكُمْ } بما في تضاعيفها من القوارع { لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا } يومِ الحشرِ الذي قد عاينوا فيه ما أُعدَّ لهم من أفانين العقوباتِ الهائلة { قَالُوا } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من الكلام السابقِ كأنه قيل : فماذا قالوا عند ذلك التوبيخِ الشديد ؟ فقيل : قالوا : { شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } أي بإتيان الرسلِ وإنذارِهم وبمقابلتهم إياهم بالكفر والتكذيب وباستحقاقهم بسبب ذلك للعذاب المخلّد حسبما فُصِّل في حكاية جوابِهم عن سؤال خَزَنةِ النار ، حيث قالوا : { بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شيء إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال كَبِيرٍ } [ الملك ، الآية 9 ] وقد أُجمل هاهنا في الحكاية كما أُجمل في حكاية جوابِهم حيث قالوا : { بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين } [ الزمر ، الآية 71 ] وقوله تعالى : { وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا } مع ما عُطف عليه اعتراضٌ لبيان ما أداهم في الدنيا إلى ارتكابهم للقبائح التي ارتكبوها وإلجائِهم بعد ذلك في الآخرة إلى الاعتراف بالكفر واستيجاب العذابِ ، وذمٌّ لهم بذلك ، أي واغتروا في الدنيا بالحياة الدنيئةِ واللذات الخسيسةِ الفانية وأعرضوا عن النعيم المقيم الذي بشرت به الرسلُ ، واجترأوا على ارتكاب ما يجُرّهم إلى العذاب المؤبَّد الذي أنذروهم إياه { وَشَهِدُوا } في الآخرة { عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا } في الدنيا { كافرين } أي بالآيات والنذر التي أتى بها الرسلُ على التفصيل المذكور آنفاً واضطُرّوا إلى الاستسلام لأشد العذابِ كما ينبئ عنه ما حُكي عنهم بقوله تعالى : { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أصحاب السعير } [ الملك ، الآية 10 ] وفيه من تحسيرهم وتحذيرِ السامعين عن مثل صنيعِهم ما لا مزيد عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.