إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة العلق مكية ، وآيها تسع عشرة .

{ اقرأ } أيْ مَا يوحَى إليكَ ، فإنَّ الأمرَ بالقراءةِ يقتَضي المقروءَ قطعاً ، وحيثُ لَمْ يُعين وجبَ أنْ يكونَ ذلكَ ما يتصلُ بالأمرِ حتماً سواءً كانتِ السورةُ أولَ ما نزلَ أوْ لاَ ، والأقربُ أنَّ هذا إلى قولِه تعالى : { مَا لَمْ يَعْلَم } [ سورة العلق ، الآية 5 ] أولُ ما نزلَ عليه عليهِ الصلاةُ السَّلامُ كما ينطقُ بهِ حديثُ الزُّهريِّ المشهورُ ، وقولِه تعالى : { باسم رَبّكَ } متعلقٌ بمضمرٍ هُو حالٌ من ضميرِ الفاعلِ ، أي اقرأْ ملتبساً باسمهِ تعالى ، أيْ مُبتدئاً بِه لتتحقق مقارنتُه لجميعِ أجزاءِ المقروءِ ، والتعرضُ لعُنْوانِ الربوبيةِ المنبئةِ عنِ التربيةِ ، والتبيلغِ إلى الكمالِ اللائقِ شيْئاً فشيئاً ، معَ الإضافةِ إلى ضميرِه عليهِ السَّلامُ للإشعارِ بتبليغِه عليِه السَّلامُ إلى الغايةِ القاصيةِ منَ الكمالاتِ البشريةِ بإنزالِ الوَحي المتواتِرِ ، ووصفُ الربَّ بقولِه تعالَى : { الذي خَلَقَ } لتذكيرِ أولِ النعماءِ الفائضةِ عليهِ ، عليه الصلاةُ والسلامُ ، منهُ تعالى والتنبيهِ على أنَّ منْ قدرَ عَلى خلقِ الإنسانِ على ما هُو عليِه من الحياة وما يتبعها منَ الكمالاتِ العلميةِ والعمليةِ منْ مادةٍ لم تشمَّ رائحةَ الحياةِ فضلاً عن سائرِ الكمالاتِ قادرٌ على تعليمِ القراءةِ للحيِّ العالمِ المتكلمِ ، أي الذي أنشأَ الخلقَ واستأثرَ بِه أوْ خلَقَ كُلَّ شيءٍ .