الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ٱلرِّجَالُ قَوَّـٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا} (34)

{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ } الآية قال مقاتل : " نزلت هذه الآية في سعيد بن الربيع بن عمرو وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وهما من الأنصار وذلك أنها نشزت فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفرشته كريمتي ولطمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لتقتصَّ من زوجها " ، فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ليرجعوا ، هذا جبرئيل " ، وأُنزلت هذه الآية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أردنا أمراً وأراد الله أمراً ، فالذي أراد الله خير " ، ورُفع القصاص " .

وقال الكلبي : نزلت في أسعد بن الربيع وامرأته بنت محمد بن مسلم ، وذكر نحوها أبو روق : نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أُبي ، وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس ، وذلك أنّها نشزت عليه فلطمها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستعدي ، فأنزل الله تعالى هذه الآية { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ } أي مسلّطون على تأديب النساء { بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } فليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس ، فلو شجّ رجل امرأته ، أو جرحها لم يكن عليه قود ، وكان عليه العقل إلاّ التي يقتلها فيُقتل بها ، قاله الزهري وجماعة من العلماء ، وقال بعضهم : ليس بين الزوج والمرأة قصاص إلاّ في النفس والجرح .

والقوّامون : البالغون في القيام عليهن بتعليمهنّ وتأديبهنّ وإصلاح أمرهنّ { بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } قيل : بزيادة العقل ، وقيل : بزيادة الدّين واليقين ، وقيل : بقوة العبادة ، وقيل : بالشهادة ، قال الله :

{ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } [ البقرة : 282 ] ، قال القرظي : بالتصرّف والتجارات ، وقيل : بالجهاد ، قال الله :

{ انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } [ التوبة : 41 ] ، وقال للنساء :

{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [ الأحزاب : 33 ] ، الربيع : الجمعة والجماعات ، قال الحسن : بالإنفاق عليهنّ ، قال الله تعالى : { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } .

وقال بعضهم : يمكن للرجل أن ينكح أربع نسوة ، ولا يحلّ للمرأة غير زوج واحد ، وقيل : هو إنّ الطلاق إلى الرجال وليس إليهنّ منه شيء ، وقيل : بالدّية ، وقيل : بالنبوّة ، وقيل : الخلافة والإمارة ، إسماعيل بن عياش [ . . . . . . . . . ] عن بعض أشياخه رفعه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المرأة مسكينة ما لم يكن لها زوج

" . فقيل : يا رسول الله ، وإن كان لها مال ؟ قال : " وإن كان لها مال ، الرجال قوّامون على النساء " " .

سعيد ( عن أبي سعيد المقبري ) عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرّتك ، وإن أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها ، ثم تلا صلى الله عليه وسلم { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ } " " .

{ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ } مطيعات { حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ } يعني لغيب أزواجهنّ إذا غابوا ، وقيل : سرّهم { بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } أي بحفظ الله لهنّ ، وقرأ أبو جعفر بفتح الهاء ، ومعناه : بحفظ من الله في الطاعة ، وهذا كقوله عليه السلام : " احفظ الله يحفظك " ، و { مَآ } على القراءتين [ مصدريّة ] ، كقوله :

{ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } [ يس : 27 ] ، أي يغفر لي ربّي .

{ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } عصيانهن ، وأصله من الحركة { فَعِظُوهُنَّ } ، فإنْ نزعن عن ذلك وإلاّ { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ } ، وقيل : ولّوهنّ ظهوركم في المضاجع ، فإن نزعن وإلاّ { وَاضْرِبُوهُنَّ } ضرباً غير مبرح ولا شائن .

ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

{ علّق السوط حيث يراه أهل البيت }

هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت : كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير بن العوام ، فإذا غضب على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها .

{ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي لا [ تطلبوا ] عليهنّ بالذنوب ، قال ابن عينه : لا تكلفوهن الحبّ .

{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }