الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَوۡ أَنَّا كَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَنِ ٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ أَوِ ٱخۡرُجُواْ مِن دِيَٰرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٞ مِّنۡهُمۡۖ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِيتٗا} (66)

{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا } فرضنا وأوجبنا { عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ } ما أمرنا بني اسرائيل . { أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ } كما أمرناهم بالخروج من مصر { مَّا فَعَلُوهُ } أرجع الهاء إلى فعل القتل والخروج لأن الفعل وإن اختلفت أجناسه فمعناه واحد { إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } وهذه الآية نزلت في قول ثابت بن قيس وكان هو من القليل الذي استثنى الله عز وجل ورفع القليل على ضمير الفاعل بأنهم فعلوه وقلّ على التكرار تقديره : ما فعلوه ، تم الكلام . ثم قال : إلاّ أنه فعله قليل منهم . كقول عمر بن معدي كرب :

فكلُّ أخ مفارقه أخوه *** لعمر أبيك إلاّ الفرقدان

وقرأ أُبي بن كعب وعيسى بن عمر وابن أبي اسحاق وابن عامر ( قليلاً ) بالنصب ، وكذا هو في مصاحف أهل الشام على [ النصب ] وقيل : فيه اضمار تقديره إلاّ أن يكون قليلاً منهم .

قال الحسن ومقاتل : " لما نزلت هذه الآية قال عمر وعمار وابن مسعود وناس صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم القليل : والله لو أمرنا لفعلنا ، فالحمد لله الذي عافانا ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن من أُمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " " .

قال الله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } تحقيقاً وتصديقاً لإيمانهم .