القول في تأويل قوله تعالى : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوّابَا } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إذا جاءك نصر الله يا محمد على قومك من قريش ، والفتح -فتح مكة- ، ورأَيْتَ النّاسَ من صنوف العرب وقبائلها -أهل اليمن منهم ، وقبائل نزار- يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أفْوَاجا ، يقول : في دين الله الذي ابتعثك به ، وطاعتك التي دعاهم إليها أفواجا ، يعني : زُمَرا ، فوجا فوجا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ما قلنا في قوله : { إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } : فتح مكة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : }إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } النصر حين فتح الله عليه ونصره .
حدثني إسماعيل بن موسى ، قال : أخبرنا الحسين بن عيسى الحنفيّ ، عن مَعْمر ، عن الزهريّ ، عن أبي حازم ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، إذ قال : «اللّهُ أكْبَرُ ، اللّهُ أكْبَرُ ، جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ ، جاءَ أهْلُ اليَمَنِ » ، قيل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : «قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبِهُمْ ، لَيّنَةٌ طِباعُهُم ، الإيمَانُ يُمَانٍ ، والْفِقْهُ يَمانٍ ، والْحكْمَةُ يَمانِيَةٌ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه . قالت : فقلت : يا رسول الله ، أراك تُكثر قول : سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، فقال : «خَبّرَنِي رَبّي أنّي سأَرَى عَلامَةً فِي أُمّتِي ، فإذَا رأيْتُها أكْثرْتُ مِنْ قَوْلِ سُبْحانَ اللّهِ وبِحَمْدِهِ ، وأسْتَغْفِرُهُ وأتُوبُ إلَيْهِ ، فَقَدْ رأيْتُها { إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } فتْحُ مَكّة ، { ورأَيْت النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أفْوَاجا فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كانَ تَوّابا } » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة ، قالت : كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يُكثر قبل موته من قول سبحان الله وبحمده ، ثم ذكر نحوه .
حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرِمة قال : لما نزلت : { إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ ، وَجَاءَ أهْلُ اليَمَنِ » ، قالوا : يا نبيّ الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : «رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ ، لَيّنَةٌ طِباعُهُمْ ، الإيمَانُ يمانِ ، والْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ » .
وأمّا قوله { أفْوَاجا } فقد تقدّم ذكره في معنى أقوال أهل التأويل . وقد :
حدثني الحرث ، قال : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فِي دِينِ اللّهِ أفْواجا } قال : زُمرا زُمرا .
قرأ ابن عباس : { إذا جاء نصر الله والفتح } ، وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمعاً من الصحابة الأشياخ وبالحضرة لابن عباس عن معنى هذه السورة وسببها ، فقالوا كلهم بمقتضى ظاهر ألفاظها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عند الفتوح التي فتحت عليه مكة وغيرها بأن يسبح ربه ويحمده ويستغفره ، فقال لابن عباس : ما تقول أنت يا عبد الله ؟ فقال : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعلمه الله بقربه إذا رأى هذه الأشياء ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما ذكرت{[12011]} ، وهذا المنزع الذي ذكره ابن عباس ذكره ابن مسعود وأصحابه ومجاهد وقتادة والضحاك ، وروت معناه عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه السلام لما فتحت مكة وأسلمت العرب جعل يكثر أن يقول «سبحان الله وبحمده ، اللهم إني أستغفرك » ، يتأول القرآن في هذه السورة{[12012]} ، وقال لها مرة : «ما أراه إلا حضور أجلي » ، وتأوله عمر والعباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصدقهما{[12013]} . والنصر الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو غلبته لقريش ولهوازن وغير ذلك ، { والفتح } : هو فتح مكة والطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.