تفسير الأعقم - الأعقم  
{إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ} (1)

{ والفتح } قال جار الله : المعنى نصر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على العرب ، أو على قريش ، وكان فتح مكة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان ، ومعه عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب ، وأقام بها خمسة عشر ليلة ، ثم خرج الى هوازن وغطفان ، روي ذلك في الكشاف . وقال الحاكم : السبب في فتح مكة لما صالح رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قريشاً بالحديبيَّة ، وكان رئيس القوم أبو سفيان بن حرب ، وسهيل بن عمرو ، ودخلت خزاعة في حلف رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ودخلت بنو بكر في حلف قريش ، وكان بينهما شرّ في الجاهلية حجر عنه الاسلام ، ثم وقعت بين بني بكر وخزاعة فقال : فأعان قريش بنو بكر سراً وأصابوا منهم ، ونقضوا عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فخرج عمرو بن سالم الى المدينة ودخل على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو في المسجد ، فأخبره بخبرهم ، وأنشد الأبيات التي منها :

لاهم إني ناشدٌ محمدا *** حلف أبينا وأبيه الأتلدا

إن قريشاً أخلفوك الموعدا *** ونقضوا ميثاقك المؤكدا

*** فيها وقتلونا ركعاً وسّجداً ***

وخرج بديل بن وَرقاء فأخبر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بما أصيب منهم ، فوعده رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) النصر ، وعلمت قريش بالنقض وندموا وبعثوا أبا سفيان إلى المدينة ليؤكدوا العهد ، فدخل على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) والتمس منه ذلك فلم يجبه ، فجاء الى أبي بكر وعمر ليسألان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فلم يجيباه ، وأتى علياً وسأله أن يكلم رسول الله فأبى ، فقال : يا أبا الحسن فأشر علي ، فقال : ما أعلم شيئاً ، ولكنك سيّد بني كنانة ، فقم فأخبر بين الناس أن العهد ثابت ، ففعل ورجع الى مكة ، فأخبرهم بالقصة ، فقالوا له : لعب بك علي بن أبي طالب ، وأمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالجهاد لحرب مكة ، وجهز الناس ، ودعا الله تعالى فعميت عليهم الأنباء ، وكتب حاطب بن أبي بلتعة إليهم بالإنذار ، وجاء الوحي إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فبعث علياً والزبير وردّوا الكتاب ، وخرج في شهر رمضان قاصداً مكة في سنة ثمان في عشرة آلاف ، وخرج في تلك الليلة أبو سفيان وبديل بن ورقاء والحكم بن حزام يتجسسون الأخبار ، وخرج العباس على بغلة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فلقيهم بالإدراك ، فجاء بأبي سفيان في قصة طويلة ، وأسلم بعد ما خوّف بالقتل ، ودخل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مكة ، وكان الفتح ، وأجمع أهل البيت والفقهاء أنّ مكة فتحت عنوة إلاّ الشافعي ، فإنه قال : فتحت صلحاً ، ففي فتح مكة نزل { إذا جاء نصر الله والفتح } ، ولما ظفر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بهم قالت العرب : اذا ظفر محمد بأهل الحرم ، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ، فليست لكم منه يدٌ ، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً ، " وحين دخلها وقف على باب الكعبة ، وقال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " ، ثم قال : " يا أهل مكة ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ " قالوا : خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : " فاذهبوا فأنتم الطلقاء " ، فأعتقهم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة فيئاً ، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء ، ثم بايعوه على الإسلام .