( سورة النصر مدنية ، وقيل : مكية . حروفها تسعة وتسعون . كلمها تسع وعشرون . آياتها ثلاث ) .
التفسير : السورة المتقدمة اشتملت على نصرة الله بقوله { يا أيها الكافرون } [ الكافرون :1 ] وعلى فتح مكة القلب بعسكر التوحيد ، وعلى تسخير جميع القوى البدنية في طاعة خالقها بقوّة البراءة عن الأديان الباطلة كلها ، فقال الله سبحانه : نصرتني بلسانك فكان جزاؤه { إذا جاء نصر الله } فتح مكة في الظاهر ، وسخرت قواك لطاعتي فجازيناك بدخول الناس في دين الله أفواجاً . ثم إنه قابل هذه الخلع الثلاث بحكم تهادوا تحابوا بثلاثة أنواع العبودية ، إن نصرتك فسبح تنزيهاً لفعلي عن مشابهة المحدثات ، وتنبيهاً على أن لا يستحق أحد عليّ شيء ، وإذا فتحت مكة فاحمد ؛ لأن النعمة يجب مقابلتها بالحمد ، وإذا رأيت الناس قد أطاعوك فاستغفر لذنبك وهو الاشتغال بما عسى أن يقع من لذة الجاه والقبول وللمؤمنين والمؤمنات ؛ لأنهم كلما كانوا أكثر كانت ذنوبهم أكثر ، وكان احتياجهم إلى الاستغفار أشد . وقوله { إذا جاء نصر الله } معناه لا تذهب إلى النصر ؛ بل النصر يجيء إليك ، نظيره " زويت لي الأرض " يعني لا تذهب إلى الأرض بل تجيء الأرض إليك ، ولا ترحل إلا إلى مقام قاب قوسين { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } [ الإسراء :1 ] بل أزيد على هذا فأفضل فقراء أمتك على أغنيائهم ، ثم آمر الأغنياء بالضحايا ليتخذوها مطايا ، فإذا بقي الفقراء من غير مطية أسوق الجنة إليهم { وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد } [ ق :31 ] ، وإنما قال في السورة المتقدّمة { ما أعبد } [ الكافرون :3 ] وهاهنا قال { نصر الله } إشارة إلى أنه يجب أن لا يذكر اسمي مع الأعداء حتى لا يهينوه ، ولكن اذكر اسمي مع الأحباب حتى يكرموه . والفرق بين النصر والفتح أن النصر -أي الإعانة على تحصيل المطلوب- هو الطريق ، والفتح هو المقصود ، ولهذا قدم الأول على الثاني . وقيل : النصر كمال الدين ، والفتح الإقبال الدنيوي له ولأمته كقوله :{ أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } [ المائدة : 3 ] وقيل : النصر هو الظفر على المنى في الدنيا ، والفتح في الآخرة { وفتحت أبوابها } [ الزمر : 73 ] ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً منصوراً بالدلائل والمعجزات إلا أن الغلبة على قريش- بل على أكثر العرب- لما حصلت في هذا التاريخ صح التقييد به . ثم إن جمهور المفسرين -ومنهم ابن عباس- ذكروا أن الفتح هو فتح مكة الذي يقال له : فتح الفتوح . يروى أن فتح مكة كان سنة ثمان ، ونزول السورة سنة عشر ، ولم يعش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها إلا سبعين يوماً ، ولذلك تسمى سورة التوديع . وقد اتفق أكثر الصحابة على أنها دلت على نعي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفهمه بعض الصحابة منها ، وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها فقال : إن عبداً خيرّه الله بين الدنيا وبين لقائه في الآخرة فاختار لقاء الله . قالوا : ومما يدل عليه أنه ذكر مقروناً بالنصرة ، وقد كان يجد النصر دون الفتح كبدر ، والفتح دون النصر كإجلاء بني النضير ، فإنه فتح البلد لكن لم يأخذ القوم . أما يوم فتح مكة فاجتمع له الأمران ، وصار الخلق له كالأرقاء حتى أعتقهم ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم وقف على باب المسجد وقال : " لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " . ثم قال : " يا أهل مكة ، ما ترون أني فاعل بكم " ؟ فقالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " ، فسموا بذلك . وقيل : فتح خيبر . وقيل : فتح الطائف . وعن أبي مسلم : النصر على الكفار وفتح بلاد الشرك على الإطلاق . وقيل : انشراح الصدر للخيرات والأعمال الفاضلة ، والفتح انفتاح أبواب المعارف والكشوف . أما الذين قالوا : إن الفتح فتح مكة ، وكان نزول السورة قبله على ما يدل عليه ظاهر صيغة إذاً ، فالآية من جملة المعجزات ؛ لأنها إخبار بالغيب وقد وقع . واللام في الفتح بدل من الإضافة ، كأنه قيل : وفتح الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.