غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ} (1)

مقدمة السورة:

( سورة النصر مدنية ، وقيل : مكية . حروفها تسعة وتسعون . كلمها تسع وعشرون . آياتها ثلاث ) .

التفسير : السورة المتقدمة اشتملت على نصرة الله بقوله { يا أيها الكافرون } [ الكافرون :1 ] وعلى فتح مكة القلب بعسكر التوحيد ، وعلى تسخير جميع القوى البدنية في طاعة خالقها بقوّة البراءة عن الأديان الباطلة كلها ، فقال الله سبحانه : نصرتني بلسانك فكان جزاؤه { إذا جاء نصر الله } فتح مكة في الظاهر ، وسخرت قواك لطاعتي فجازيناك بدخول الناس في دين الله أفواجاً . ثم إنه قابل هذه الخلع الثلاث بحكم تهادوا تحابوا بثلاثة أنواع العبودية ، إن نصرتك فسبح تنزيهاً لفعلي عن مشابهة المحدثات ، وتنبيهاً على أن لا يستحق أحد عليّ شيء ، وإذا فتحت مكة فاحمد ؛ لأن النعمة يجب مقابلتها بالحمد ، وإذا رأيت الناس قد أطاعوك فاستغفر لذنبك وهو الاشتغال بما عسى أن يقع من لذة الجاه والقبول وللمؤمنين والمؤمنات ؛ لأنهم كلما كانوا أكثر كانت ذنوبهم أكثر ، وكان احتياجهم إلى الاستغفار أشد . وقوله { إذا جاء نصر الله } معناه لا تذهب إلى النصر ؛ بل النصر يجيء إليك ، نظيره " زويت لي الأرض " يعني لا تذهب إلى الأرض بل تجيء الأرض إليك ، ولا ترحل إلا إلى مقام قاب قوسين { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } [ الإسراء :1 ] بل أزيد على هذا فأفضل فقراء أمتك على أغنيائهم ، ثم آمر الأغنياء بالضحايا ليتخذوها مطايا ، فإذا بقي الفقراء من غير مطية أسوق الجنة إليهم { وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد } [ ق :31 ] ، وإنما قال في السورة المتقدّمة { ما أعبد } [ الكافرون :3 ] وهاهنا قال { نصر الله } إشارة إلى أنه يجب أن لا يذكر اسمي مع الأعداء حتى لا يهينوه ، ولكن اذكر اسمي مع الأحباب حتى يكرموه . والفرق بين النصر والفتح أن النصر -أي الإعانة على تحصيل المطلوب- هو الطريق ، والفتح هو المقصود ، ولهذا قدم الأول على الثاني . وقيل : النصر كمال الدين ، والفتح الإقبال الدنيوي له ولأمته كقوله :{ أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } [ المائدة : 3 ] وقيل : النصر هو الظفر على المنى في الدنيا ، والفتح في الآخرة { وفتحت أبوابها } [ الزمر : 73 ] ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً منصوراً بالدلائل والمعجزات إلا أن الغلبة على قريش- بل على أكثر العرب- لما حصلت في هذا التاريخ صح التقييد به . ثم إن جمهور المفسرين -ومنهم ابن عباس- ذكروا أن الفتح هو فتح مكة الذي يقال له : فتح الفتوح . يروى أن فتح مكة كان سنة ثمان ، ونزول السورة سنة عشر ، ولم يعش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها إلا سبعين يوماً ، ولذلك تسمى سورة التوديع . وقد اتفق أكثر الصحابة على أنها دلت على نعي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفهمه بعض الصحابة منها ، وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها فقال : إن عبداً خيرّه الله بين الدنيا وبين لقائه في الآخرة فاختار لقاء الله . قالوا : ومما يدل عليه أنه ذكر مقروناً بالنصرة ، وقد كان يجد النصر دون الفتح كبدر ، والفتح دون النصر كإجلاء بني النضير ، فإنه فتح البلد لكن لم يأخذ القوم . أما يوم فتح مكة فاجتمع له الأمران ، وصار الخلق له كالأرقاء حتى أعتقهم ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم وقف على باب المسجد وقال : " لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " . ثم قال : " يا أهل مكة ، ما ترون أني فاعل بكم " ؟ فقالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " ، فسموا بذلك . وقيل : فتح خيبر . وقيل : فتح الطائف . وعن أبي مسلم : النصر على الكفار وفتح بلاد الشرك على الإطلاق . وقيل : انشراح الصدر للخيرات والأعمال الفاضلة ، والفتح انفتاح أبواب المعارف والكشوف . أما الذين قالوا : إن الفتح فتح مكة ، وكان نزول السورة قبله على ما يدل عليه ظاهر صيغة إذاً ، فالآية من جملة المعجزات ؛ لأنها إخبار بالغيب وقد وقع . واللام في الفتح بدل من الإضافة ، كأنه قيل : وفتح الله .

/خ3