مدنية بالإجماع ، وتسمى سورة " التوديع " ، وهي ثلاث آيات ، وست عشرة كلمة ، وتسعة وستون حرفا .
قوله تعالى : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح } : عليك وعلى أمتك ، والمقصود : إذا جاء هذان الفعلان من غير نظر إلى متعلقهما ، كقوله تعالى : { أَمَاتَ وَأَحْيَا } [ النجم : 44 ] .
«أل » في «الفتح » عوض من الإضافة : أي : وفتحه عند الكوفيين ، والعائد محذوف عند البصريين ، أي : والفتح منه للدلالة على ذلك ، والعامل في «إذا » : «جاء » وهو قول مكي ، وإليه ذهب أبو حيَّان{[61012]} وغيره في مواضع وقد تقدم ذلك . وإما «فسبِّح » ، وإليه نحا الزمخشريُّ{[61013]} والحوفي ، والتقدير : فسبح بحمد ربك إذا جاء ، ورده أبو حيَّان بأن ما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها ، وفيه بحثٌ تقدم بعضه في سورة «الضحى » .
النصر : العون ، مأخوذ من قولهم : قد نصر الغيث الأرض ، إذا أعان على إنباتها .
5337- إذَا انْسَلَخَ الشَّهْرُ الحَرامُ فَوَدِّعي *** بِلادَ تَمِيمٍ وانصُرِي أرضَ عَامرِ{[61014]}
5338- إِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الحَرَامُ فَجَاوِزِي*** بِلادَ تَمِيمٍ وَانْصُرِي أَرْضَ عَامِر{[61015]}
يقال : نصره على عدوه ينصره نصراً ، أي : أعانه ، والاسم : النُّصرة ، واستنصره على عدوه ، أي : سأله أن ينصره عليه ، وتناصروا : نصر بعضهم بعضاً .
وقيل : المرادُ بهذا النصر : نصر الرسول - عليه الصلاة والسلام - على قريش ، قاله الطبري{[61016]} .
[ وقيل : نصره على من قاتله من الكفار ، وأن عاقبة النصر كانت له ، وأما الفتح فهو فتح مكة ، قاله الحسن ومجاهد{[61017]} وغيرهما ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : هو فتح المدائن والقصور{[61018]} ، وقيل : فتح سائر البلاد ، وقيل : ما فتحه عليه من العلوم ، وقيل : إذا بمعنى قد جاء نصر الله ؛ لأن نزولها بعد الفتح ، ويجوز أن يكون معناه إذا يجيئك ]{[61019]} .
قال ابن الخطيب{[61020]} : الفرق بين النصر والفتح ، الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان متعلقاً ، والنصر كالسبب للفتح ، فلهذا بدأ بذكر النصر ، وعطف الفتح عليه ، ويقال : النصرُ كمالُ الدينِ ، والفتح إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمةِ ، كقوله تعالى : { اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً } [ المائدة : 3 ] .
والنَّصْر : الظَّفر في الدنيا ، والفتح : بالجنة .
قال ابن الخطيب{[61021]} : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مؤيداً منصوراً بالدلائل والمعجزات ، فما المعنى بتخصيص لفظ النصر بفتح «مكة » ؟
والجواب : أن المراد من هذا النصر هو النصر الموافق للطبع .
فإن قيل : النصر لا يكون إلا من الله تعالى ، قال تعالى : { وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله } [ الأنفال : 10 ] فما فائدة التقييد بقوله تعالى : { نَصْرُ الله } ؟ .
فالجواب : معناه : لا يليق إلا بالله ، كما يقال : هذه صنعة زيد ، إذا كان مشهوراً ، فالمراد هذا هو الذي سألتموه .
فإن قيل : لم وصف النصر بالمجيء ؟ وحقيقته : إذا وقع نصر الله ، فما الفائدة في ترك الحقيقة ، وذكر المجاز ؟
فالجواب : أن الأمور مرتبطةٌ بأوقاتها ، وأنه - تعالى - قد ربط بحدوث كلِّ محدث أسباباً معينة ، وأوقاتاً مقدرة يستحيل فيها التقدم ، والتأخر ، والتبدل ، والتغير ، فإذا حضر ذلك الوقت ، وجاء ذلك الزمان حضر ذلك الأثر معه ، وإليه الإشارة بقوله : { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [ الحجر : 21 ] .
فإن قيل : الذين أعانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة هم الصحابة - رضي الله عنهم - ثم إنه تعالى سمى نصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما السبب في إضافة النصر إليه ؟
فالجواب : أن النصر وإن كان على يد الصحابة لكن لا بدَّ لهم من داعٍ وباعث ، وهو من الله تعالى .
فإن قيل : فعلى هذا التقدير الذي ذكرتم يكون فعل العبد متقدماً على فعل الله ، وهو خلاف قوله تعالى : { إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ } [ محمد : 7 ] فجعل نصر العبد مقدماً على نصره لنا ؟
فالجواب : أن لا امتناع في أن يكون فعل العبد سبباً لفعل آخر يصدر عن الله - تعالى - ، فإن أسباب الحوادث ومسبباتها على ترتيب عجيب تعجز عن إدراكها العقول البشرية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.