البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النصر

هذه مدنية ، نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر ، وعاش بعد نزولها سنتين . وقال ابن عمر : نزلت في أوسط أيام التشريق بمنى في حجة الوداع ، وعاش بعدها ثمانين يوماً أو نحوها صلى الله عليه وسلم . ولما كان في قوله : { لَكُمْ دِينَكُمْ }

موادعة ، جاء في هذه بما يدل على تخويفهم وتهديدهم ، وأنه آن مجيء نصر الله ، وفتح مكة ، واضمحلال ملة الأصنام ، وإظهار دين الله تعالى .

قال الزمخشري : { إذا } منصوب بسبح ، وهو لما يستقبل ، والإعلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة ، انتهى .

وكذا قال الحوفي ، ولا يصح إعمال { فسبح } في { إذا } لأجل الفاء ، لأن الفاء في جواب الشرط لا يتسلط الفعل الذي بعدها على اسم الشرط ، فلا تعمل فيه ، بل العامل في إذا الفعل الذي بعدها على الصحيح المنصور في علم العربية ، وقد استدللنا على ذلك في شرح التسهيل وغيره ، وإن كان المشهور غيره .

والنصر : الإعانة والإظهار على العدو ، والفتح : فتح البلاد .

ومتعلق النصر والفتح محذوف ، فالظاهر أنه نصر رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على أعدائهم ، وفتح مكة وغيرها عليهم ، كالطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن .

وقيل : نصره صلى الله عليه وسلم على قريش وفتح مكة ، وكان فتحها لعشر مضين من رمضان ، سنة ثمان ، ومعه عليه الصلاة والسلام عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار .