الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ} (1)

مقدمة السورة:

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزل بالمدينة { إذا جاء نصر الله والفتح } .

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال : أنزل { إذا جاء نصر الله } بالمدينة .

وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال : نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } كلها بالمدينة بعد فتح مكة ودخول الناس في الدين ، ينعى إليه نفسه .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال : هذه السورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق بمنى ، وهو في حجة الوداع { إذا جاء نصر الله والفتح } حتى ختمها ، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع .

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس أنه قرأ : «إذا جاء فتح الله والنصر » .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح } قال : فتح مكة { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً } قال : اعلم أنك ستموت عند ذلك .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { أفواجاً } قال : الزمر من الناس .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح } قال : كانت هذه السورة آية لموت النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن وابن المنذر عن قتادة في قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح } قال : ذكر لنا أن ابن عباس قال : هذه السورة علم وحد حده الله لنبيه ، ونعى نفسه ، أي إنك لن تعيش بعدها إلا قليلاً . قال قتادة : والله ما عاش بعدها إلا قليلاً سنتين ثم توفي .

وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال : «لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعيت إلى نفسي ، إني مقبوض في تلك السنة » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : «لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيت إلى نفسي ، وقرب أجلي » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { إذا جاء نصر الله والفتح } علم أنه نعيت إليه نفسه .

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والطبراني والحاكم -وصححه- وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال : «لما نزلت هذه السورة { إذا جاء نصر الله والفتح } قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها ثم قال : أنا وأصحابي خير ، والناس خير ، لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية » .

وأخرج النسائي وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت ، فأخذني أشد ما يكون اجتهاداً في أمر الآخرة .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم حبيبة قالت : لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله لم يبعث نبياً إلا عمر في أمته شطر ما عمر النبي الماضي قبله ، وإن عيسى ابن مريم كان أربعين سنة في بني إسرائيل ، وهذه لي عشرون سنة ، وأنا ميت في هذه السنة » ، فبكت فاطمة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أنت أول أهل بيتي لحوقاً بي » ، فتبسمت .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين أنزل عليه { إذا جاء نصر الله والفتح } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا علي بن أبي طالب ، يا فاطمة بنت محمد ، جاء نصر الله والفتح ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ، فسبحان ربي وبحمده ، واستغفره ، إنه كان تواباً » .

وأخرج الخطيب وابن عساكر عن علي قال : «نعى الله لنبيه صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزل عليه { إذا جاء نصر الله والفتح } فكان الفتح سنة ثمان بعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما طعن في سنة تسع من مهاجره تتابع عليه القبائل تسعى ، فلم يدر متى الأجل ليلاً أو نهاراً ، فعمل على قدر ذلك فوسع السنن ، وشدد الفرائض ، وأظهر الرخص ، ونسخ كثيراً من الأحاديث ، وغزا تبوك ، وفعل فعل مودع .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين أنزل عليه { إذا جاء نصر الله والفتح } إلى آخر القصة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا علي بن أبي طالب ، ويا فاطمة بنت محمد ، جاء نصر الله والفتح إلى آخر القصة ، سبحان ربي وبحمده وأستغفره ، إنه كان توّاباً ، ويا علي إنه يكون بعدي في المؤمنين الجهاد . قال : علام نجاهد المؤمنين الذين يقولون : آمنا ؟ قال : على الإحداث في الدين إذا عملوا بالرأي ، ولا رأي في الدين ، إنما الدين من الرب أمره ونهيه » قال علي : يا رسول الله ، أرأيت إن عرض علينا أمر لم ينزل فيه قرآن ولم يقض فيه سنة منك . قال : تجعلونه شورى بين العابدين من المؤمنين ، ولا تقضونه برأي خاصة ، فلو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحق منك لقربك في الإِسلام ، وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصهرك ، وعندك سيدة نساء المؤمنين ، وقبل ذلك ما كان بلاء أبي طالب إياي ، ونزل القرآن وأنا حريص على أن أرعى له في ولده » .

وأخرج أحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال : إنه قد نعيت إلى نفسي » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم معاً في الدلائل عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلني وأشياخ بدر ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ، فقال : إنه ممن قد علمتم ، فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم ، وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني ، فقال : ما تقولون في قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح } حتى ختم السورة ، فقال بعضهم : أمرنا الله أن نحمده ونستغفره إذا جاء نصر الله وفتح علينا ، وقال بعضهم : لا ندري ، وبعضهم لم يقل شيئاً ، فقال لي : يا ابن عباس ، أكذاك تقول ؟ قلت : لا . قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله ، أعلمه الله { إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون } والفتح فتح مكة ، فذلك علامة أجلك { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً } . فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن عمر سألهم عن قول الله :{ إذا جاء نصر الله والفتح } فقالوا : فتح المدائن والقصور ، قال : فأنت يا ابن عباس ما تقول ؟ قال : قلت مثل ضرب لمحمد ، نعيت له نفسه .

وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب في تالي التلخيص عن ابن عباس قال : لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } جاء العباس إلى عليّ فقال : انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان هذا الأمر لنا من بعده لم تشاحنا فيه قريش ، وإن كان لغيرنا سألناه الوصاة لنا . قال : لا ، قال العباس : جئت فذكرت ذلك له ، فقال : «إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه ، وهو مستوص ، فاسمعوا له وأطيعوا تهتدوا وتفلحوا ، واقتدوا به ترشدوا . قال ابن عباس : فما وافق أبا بكر على رأيه ، ولا وازره على أمره ، ولا أعانه على شأنه ؛ إذ خالفه أصحابه في ارتداد العرب إلا العباس . قال : فوالله ما عدل رأيهما وحزمهما رأي أهل الأرض أجمعين » .

وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح } قال : ذاك حين نعى لهم نفسه ، يقول : إذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ، يعني إسلام الناس . يقول : فذلك حين حضر أجلك { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً } .

وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة في قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح } قال : علم وحد حده الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ونعى إليه نفسه أنك لا تبقى بعد فتح مكة إلا قليلاً .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عباس قال : آخر سورة نزلت من القرآن جميعاً { إذا جاء نصر الله والفتح } .

وأخرج البخاري عن سهل بن سعد الساعدي عن أبي بكر أن سورة { إذا جاء نصر الله والفتح } حين أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن نفسه نعيت إليه .

وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح فتح مكة فخرج من المدينة في رمضان ، ومعه من المسلمين عشرة آلاف ، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف سنة من مقدمه المدينة ، وافتتح مكة لثلاث عشرة بقيت من رمضان .

وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ، عن عائشة قالت : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول : " سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه " ، فقلت يا رسول الله : أراك تكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، فقال : خبرني أني سأرى علامة في أمتي ، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، فقد رأيتها { إذا جاء نصر الله والفتح } فتح مكة { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً } » .

وأخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : «سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي » ، يتأول القرآن يعني { إذا جاء نصر الله والفتح } .

وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أنزلت عليه هذه السورة { إذا جاء نصر الله والفتح } إلا يقول مثلهما : «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي » .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أم سلمة قالت : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال : «سبحانك اللهم وبحمدك ، أستغفرك وأتوب إليك » فقلت له : قال : «إني أمرت بها » ، وقرأ { إذا جاء نصر الله } إلى آخر السورة .

وأخرج عبد الرزاق ومحمد بن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال : «لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : «سبحانك اللهم وبحمدك ، اغفر لي ، إنك أنت التواب الغفور » .

وأخرج الحاكم وابن مردويه عن ابن مسعود قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : «سبحانك ربنا وبحمدك » فلما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال : «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ، إنك أنت التواب الرحيم » .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : «لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «جاء أهل اليمن ، هم أرقْ قلوباً ، الإِيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية » .

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } فقال : «ليخرجن منه أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً » .

وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن الفضيل بن عياض قال : لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } إلى آخر السورة قال محمد صلى الله عليه وسلم : «يا جبريل نعيت إليَّ نفسي » ، قال جبريل : الآخرة خير لك من الأولى .

وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً ، وسيخرجون منه أفواجاً » .

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «{ إذا جاء نصر الله والفتح } وجاء أهل اليمن رقيقة أفئدتهم وطباعهم ، سجية قلوبهم ، عظيمة حسنتهم ، دخلوا في دين الله أفواجاً » .

/ت0