القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىَ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } .
يقول تعالى ذكره : وإن يضيع يا محمد هؤلاء الذين نصرّف لهم في هذا القرآن من الوعيد عهدي ، ويخالفوا أمري ، ويتركوا طاعتي ، ويتبعوا أمر عدوّهم إبليس ، ويطيعوه في خلاف أمري ، فقديما ما فعل ذلك أبوهم آدم وَلَقَدْ عَهِدْنا إلَيْهِ يقول : ولقد وصينا آدم وقلنا له : إنّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنّكُما منَ الجَنّةِ فوسوس إليه الشيطان فأطاعه ، وخالف أمري ، فحلّ به من عقوبتي ما حلّ .
وعنى جلّ ثناؤه بقوله : مِنْ قَبْلُ هؤلاء الذين أخبر أنه صرف لهم الوعيد في هذا القرآن وقوله : فَنَسِيَ يقول : فترك عهدي ، كما :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : " وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ " يقول : فترك .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : فَنَسِيَ قال : ترك أمر ربه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : قال له " يا آدَمُ إِن هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِك فَلا يُخْرِجَنّكُمَا مِنَ الجَنّةِ فَتَشْقَى " فقرأ حتى بلغ : " لا تَظْمَأُ فِيها وَلا تَضْحَى " ، وقرأ حتى بلغ : " وَمُلْكٍ لا يَبْلَى " قال : فنسي ما عهد إليه في ذلك ، قال : وهذا عهد الله إليه ، قال : ولو كان له عزم ما أطاع عدوّه الذي حسده ، وأبى أن يسجد له مع مَنْ سجد له إبليس ، وعصى الله الذي كرّمه وشرّفه ، وأمر ملائكته فسجدوا له .
حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا : حدثنا يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن ، ومؤمل ، قالوا : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : إنما سُمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي .
وقوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " اختلف أهل التأويل في معنى العزم ها هنا ، فقال بعضهم : معناه الصبر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " أي صبرا .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " ، قال : صبرا .
حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجَوْزَجاني ، قال : حدثنا أبو النضر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، مثله .
وقال آخرون : بل معناه : الحفظ ، قالوا : ومعناه : ولم نجد له حفظا لما عهدنا إليه . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : حفظا لما أمرته .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، عن الأشجعيّ ، عن سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، في قوله " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : حفظا .
حدثنا عباد بن محمد ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، في قوله " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : حفظا لما أمرته به .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " يقول : لم نجد له حفظا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " قال : العزم : المحافظة على ما أمره الله تبارك وتعالى بحفظه ، والتمسك به .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " يقول : لم نجعل له عزما .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا الحجاج بن فضالة ، عن لقمان بن عامر ، عن أبي أمامة قال : لو أن أحلام بني آدم جمعت منذ يوم خلق الله تعالى آدم إلى يوم الساعة ، ووضعت في كفة ميزان ، ووضع حلم آدم في الكفة الأخرى ، لرجح حلمه بأحلامهم ، وقد قال الله تعالى : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " .
قال أبو جعفر : وأصل العزم اعتقاد القلب على الشيء ، يقال منه : عزم فلان على كذا : إذا اعتقد عليه ونواه ومن اعتقاد القلب : حفظ الشيء ، ومنه الصبر على الشيء ، لأنه لا يجزع جازع إلا من خور قلبه وضعفه ، فإذا كان ذلك كذلك ، فلا معنى لذلك أبلغ مما بينه الله تبارك وتعالى ، وهو قوله : " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما " فيكون تأويله : ولم نجد له عزم قلب ، على الوفاء لله بعهده ، ولا على حفظ ما عهد إليه .
قال الطبري المعنى وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس فقدماً فعل ذلك أبوهم آدم ع وهذا التأويل ضعيف ، وذلك أن يكون { آدم } مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، و { آدم } إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضة عليه صلى الله عليه وسلم وأما الظاهر في هذه الآية ، إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله ، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه { فنسي } فعوقب لتكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم . و «العهد » هنا في معنى الوصية . و «نسي » معناه ترك ، والنسيان الذهول لكن هنا أنه لا يتعلق بالناسي عقاب ، وقرأ الأعمش «فنسي » بسكون الياء ووجهها طلب الخفة ، و «العزم » المضي على المعتقد في أي شيء كان ، وآدم عليه السلام كان معتقداً لأن لا يأكل من الشجرة لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده ، وعبر بعض المفسرين عن العزم هنا بالصبر وبالحفظ وبغير ذلك مما هو أعم من حقيقة العزم والشيء الذي عهد إلى آدم هو أن يقرب الشجرة وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له ، وقال أبو أمامة لو أن أحلام بني آدم وضعت منذ خلق الله إلى يوم القيامة ووضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم ، وقد قال الله له { ولم نجد له عزماً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.