القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِفَتَاهُ لآ أَبْرَحُ حَتّىَ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } .
يقول عزّ ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد إذ قال موسى بن عمران لفتاه يوشع : لا أبْرَحُ يقول : لا أزال أسير حتى أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ ، كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لا أبْرَحُ قال : لا أنتهي .
وقيل : عنى بقوله : مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ اجتماع بحر فارس والروم ، والمجمع : مصدر من قولهم : جمع يجمع . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : حتى أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ والبحران : بحر فارس وبحر الروم ، وبحر الروم مما يلي المغرب ، وبحر فارس مما يلي المشرق .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ قال : بحر فارس ، وبحر الروم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مجمَع البَحْرَينِ قال : بحر الروم ، وبحر فارس ، أحدهما قِبَل المشرق ، والاَخر قِبَل المغرب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : مُجْمَعَ البَحْرَيْنِ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن الضريس ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب ، في قوله : لا أبْرَحُ حتى أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ قال : طنجة .
وقوله : أوْ أمْضِيَ حُقُبا يقول : أو أسير زمانا ودهرا ، وهو واحد ، ويجمع كثيره وقليله : أحقاب . وقد تقول العرب : كنت عنده حقبة من الدهر ، ويجمعونها حُقبا . وكان بعض أهل العربية بوجه تأويل قوله لا أبْرَحُ : أي لا أزول ، ويستشهد لقوله ذلك ببيت الفرزدق :
فمَا بَرِحُوا حتى تَهادَتْ نِساؤُهُمْ *** ببَطْحاءِ ذِي قارٍ عِيابَ اللّطائِمِ
وذكر بعض أهل العلم بكلام العرب ، أن الحقب في لغة قيس : سنة . فأما أهل التأويل فإنهم يقولون في ذلك ما أنا ذاكره ، وهو أنهم اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هو ثمانون سنة . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن هشيم ، قال : حدثنا أبو بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : الحقب : ثمانون سنة .
وقال آخرون : هو سبعون سنة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد أوْ أمْضِيَ حُقُبا قال : سبعين خريفا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون في ذلك ، بنحو الذي قلنا . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أوْ أمْضِيَ حُقُبا قال : دهرا .
حدثنا أحمد بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله حُقَبا قال : الحقب : زمان .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوْ أمْضِيَ حُقُبا قال : الحقب : الزمان .
{ وإذ قال موسى } مقدر باذكر . { لِفتاه } يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليهم الصلاة والسلام فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه وقيل لعبده . { لا أبرح } أي لا أزال أسير فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر وقوله : { حتى أبلُغ مجمع البحرين } من حيث إنها تستدعي ذا غاية عليه ، ويجوز أن يكون أصله لا يبرح مسيري حتى أبلغ على أن حتى أبلغ هو الخبر ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فانقلب الضمير والفعل وأن يكون { لا أبرح } هو بمعنى لا أزول عما أنا عليه من السير والطلب ولا أفارقه فلا يستدعي الخبر ، و{ مجمع البحرين } ملتقى بحري فارس ولروم مما يلي المشرق وُعد لقاء الخضر فيه . وقيل البحران موسى وخضر عليهما الصلاة والسالم فإن موسى كان بحر علم الظاهر والخضر كان بحر علم الباطن . وقرئ " مِجْمَع " بكسر الميم على الشذوذ من يفعل كالمشرق والمطلع { أو امضي حُقباً } أو أسير زمانا طويلا ، والمعنى حتى يقع إما بلوغ المجمع أو مضي الحقب أو حتى أبلغ إلا أن أمضي زمانا أتيقن معه فوات المجمع ، والحقب الدهر وقيل ثمانون سنة وقيل سبعون . روي : أن موسى عليه الصلاة والسلام خطب الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأعجب بها فقيل له : هل تعلم أحدا أعلم منك فقال : لا ، فأوحى الله إليه بل أعلم منك عبدنا الخضر وهو بمجمع البحرين ، وكان الخضر في أيام افريدون وكان على مقدمة ذي القرني الأكبر وبقي إلى أيام موسى . وقيل إن موسى عليه السلام سأل ربه أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني ، قال فأي عبادك أقضى ، قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى ، قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ، فقال إن كان في عبادك أعلم مني فادللني عليه ، قال أعلم منك الخضر قال : أين أطلبه ، قال على الساحل عند الصخرة ، قال كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك ، فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.