جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ} (27)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَذّن فِي النّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىَ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ * لّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ فِيَ أَيّامٍ مّعْلُومَاتٍ عَلَىَ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ * ثُمّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطّوّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } .

يقول تعالى ذكره : عهدنا إليه أيضا أن أذّن في الناس بالحجّ يعني بقوله : وأذّنْ أعلم وناد في الناس أن حجوا أيها الناس بيت الله الحرام . يَأْتُوكَ رِجالاً يقول : فإن الناس يأتون البيت الذي تأمرهم بحجه مشاة على أرجلهم ، وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ يقول : وركبانا على كلّ ضامر ، وهي الإبل المهازيل . يَأْتِينَ مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيقٍ يقول : تأتي هذه الضوامر من كلّ فجّ عميق يقول : من كلّ طريق ومكان ومسلك بعيد . وقيل : «يأتين » ، فجمع لأنه أريد بكل ضامر : النوق . ومعنى الكلّ : الجمع ، فلذلك قيل : «يأتين » . وقد زعم الفراء أنه قليل في كلام العرب : مررت على كلّ رجل قائمين قال : وهو صواب ، وقول الله : وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ يَأَتينَ ينبىء عن صحة جوازه . وذُكر أن إبراهيم صلوات الله عليه لما أمره الله بالتأذين بالحجّ ، قام على مقامه فنادى : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحجّ فحجوا بيته العتيق .

وقد اختُلف في صفة تأذين إبراهيم بذلك . فقال بعضهم : نادي بذلك ، كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له : أذّنْ فِي النّاسَ بالحَجّ قال : ربّ وَما يبلغ صوتي ؟ قال : أذّنْ وعليّ البلاغ فنادى إبراهيم : أيها الناس كُتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فحجوا قال : فسمعه ما بين السماء والأرض ، أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبّون ؟

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضبي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله إليه ، أن أذّن في الناس بالحجّ قال : فقال إبراهيم : ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا ، وأمركم أن تحجوه ، فاستجاب له ما سمعه من شيء من حجر وشجر وأكمة أو تراب أو شيء : لبّيك اللهمّ لبّيك

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا ابن واقد ، عن أبي الزبير ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ، قوله : وأذّنْ فِي النّاسَ بالحَجّ قال : قام إبراهيم خليل الله على الحجر ، فنادى : يا أيها الناس كُتب عليكم الحجّ ، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله أن يحجّ إلى يوم القيامة : لبّيك اللهمّ لبّيك

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير : وأذّنْ فِي النّاسَ بالحَجّ يَأْتُوكَ رِجالاً قال : وقرت في قلب كلّ ذكر وأنثى .

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا حكام عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبير ، قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ، أوحى الله إليه ، أن أذّنْ في الناس بالحجّ قال : فخرج فنادى في الناس : يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه فلم يسمعه يومئذٍ من إنس ، ولا جنّ ، ولا شجر ، ولا أكمة ، ولا تراب ، ولا جبل ، ولا ماء ، ولا شيء إلا قال : لبّيك اللهم لبّيك

قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قام إبراهيم على المقام حين أمر أن يؤذّن في الناس بالحجّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، في قوله : وأَذّنْ فِي النّاسِ بالْحَجّ قال : قام إبراهيم على مقامه ، فقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم فقالوا : لبّيك اللهمّ لبيك فمن حَجّ اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذٍ .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن عكرمة بن خالد المخزومي ، قال : لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت ، قام على المقام ، فنادى نداء سمعه أهل الأرض : إن ربكم قد بنى لكم بيتا فحجّوه قال داود : فأرجوا من حجّ اليوم من إجابة إبراهيم عليه السلام .

حدثني محمد بن سنان القزاز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن أبي عاصم الغَنَوِيّ ، عن أبي الطفيل ، قال : قال ابن عباس : هل تدري كيف كانت التلبية ؟ قلت : وكيف كانت التلبية ؟ قال : إن إبراهيم لما أمر أن يؤذّن في الناس بالحجّ ، خفضت له الجبال رؤسها ، ورُفِعَت القُرى ، فأذّن في الناس .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : وأَذّنْ فِي النّاسِ بالحَجّ قال إبراهيم : كيف أقول يا ربّ ؟ قال : قل : يا أيها الناس استجيبوا لربكم قال : وقَرّت في قلب كلّ مؤمن . وقال آخرون في ذلك ، ما :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة ، عن مجاهد ، قيل لإبراهيم : أذّن في الناس بالحجّ قال : يا ربّ كيف أقول ؟ قل لَبّيك اللهمّ لبيك قال : فكانت أوّل التلبية .

وكان ابن عباس يقول : عُنِي بالناس في هذا الموضع : أهل القبلة . ذكر الرواية بذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وأذّنْ في النّاسَ بالحَجّ يعني بالناس : أهل القبلة ، ألم تسمع أنه قال : إنّ أوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ لَلّذِي بِبَكّة مُباركا . . . إلى قوله : وَمَنْ دَخَلَهُ آمِنا يقول : ومن دخله من الناس الذين أمر أن يؤذن فيهم ، وكتب عليهم الحجّ ، فإنه آمن ، فعظّموا حرمات الله تعالى ، فإنها من تقوى القلوب .

وأما قوله : يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ فإن أهل التأويل قالوا فيه نحو قولنا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس : يَأْتُوكَ رِجالاً قال : مشاة .

قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو معاوية عن الحجاج بن أرطاة ، قال : قال ابن عباس : : ما آسَى على شيء فاتني إلا أن لا أكون حججت ماشيا ، سمعت الله يقول : يَأْتُوكَ رِجالاً .

قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : حجّ إبراهيم وإسماعيل ماشيين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، عن ابن عباس : يَأْتُوكَ رِجالاً قال : على أرجلهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ قال : الإبل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس : وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ قال : الإبل .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا المحاربي ، عن عمر بن ذرّ ، قال : قال مجاهد : كانوا لا يركبون ، فأنزل الله : يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ قال : فأمرهم بالزاد ، ورخص لهم في الركوب والمتجر .

وقوله : مِنْ كُلّ فَجّ عمِيقٍ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيقٍ يعني : من مكان بعيد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس : مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيقٍ قال : بعيد .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : فَجّ عمِيقٍ قال : مكان بعيد .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة مثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ} (27)

{ وأذن في الناس } ناد فيهم وقرىء " وآذن " . { بالحج } بدعوة الحج والأمر به . روي أنه عليه الصلاة والسلام صعد أبا قبيس فقال : يا أيها الناس حجوا بيت ربكم ، فأسمعه الله من أصلاب الرجال وأرحام النساء فيما بين المشرق والمغرب ممن سبق في علمه أن يحج . وقيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في حجة الوداع . { يأتوك رجالا } مشاة جمع راجل كقائم وقيام ، وقرىء بضم الراء مخفف الجيم ومثقله ورجالي كعجالي . { وعلى كل ضامر } أي وركبنا على كل بعير مهزول أتعب بعد السفر فهزله . { يأتين } صفة ل { ضامر } محمولة على معناه ، وقرئ " يأتون " صفة للرجال والركبان أو استئناف فيكون الضمير ل { الناس } . { من كل فج } طريق . { عميق } بعيد ، وقرئ " معيق " يقال بئر بعيدة العمق والمع بمعنى .