ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان لقبيلتين من الناس ، قيل : مأخوذان من الأوجة وهى الاختلاط أو شدة الحر ، وقيل من الأوج وهو سرعى الجرى .
والمراد بفتحهما : فتح السد الذى على هاتين القبيلتين ، والذى يحول بينهم وبين الاختلاط بغيرهم من بقية الناس .
{ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } والحدب : المترفع من الأرض كالجبل ونحوه .
و { يَنسِلُونَ } من النسل - بإسكان السين - وهو مقاربة الخطو مع الإسراع فى السير ، يقال : نسل الرجل فى مشيته إذا أسرع ، وفعله من باب قعد وضرب .
أى : وهم - أى يأجوج ومأجوج من كل مرتفع من الأرض يسرعون السير إلى المحشر ، أو إلى الأماكن التى يوجههم الله - تعالى - إليها ، و قيل إن الضمير " هم " يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر ، أو إلى الأماكن التى يوجههم الله - تعالى - إليها ، وقيل إن الضمير " هم " يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر .
تحتمل { حتى } في هذه الآية أن تكون متعلقة بقوله { وتقطعوا } [ الأنبياء : 93 ] وتحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تعلق ب { يرجعون } [ الأنبياء : 95 ] وتحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب { إذا } لأنها تقتضي جواباً وهو المقصود ذكره ، واختلف هنا الجواب ، فقالت فرقة الجواب قوله { اقترب الوعد } والواو زائدة ، وقالت فرقة منها الزجاج وغيره الجواب في قوله { يا ويلنا } التقدير قالوا { يا ويلنا } وليست الواو بزائدة ، والذي أقول إن الجواب في قوله { فإذا هي شاخصة } وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأَنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه ، وقرأ الجمهور «فَتحت » بتخفيف التاء ، وقرأ ابن عامر وحده «فتّحت » بتثقيلها ، وروي أن { يأجوج ومأجوج } يشرفون في كل يوم على الفتح فيقولون غداً نفتح ولا يردون المشيئة إلى الله تعالى فإذا كان غداً وجدوا الردم كأوله حتى إذا أذن الله تعالى في فتحه قال قائلهم غداً نفتحه إن شاء الله فيجدونه كما تركوه قريب الانفتاح فيفتحونه حينئذ ، وقرأ عاصم وحده «يأجوج ومأجوج » بالهمز ، وقرأ الجمهور بالتسهيل ، وقد تقدم في سورة الكهف توجيه ذلك وكثير من حال { يأجوج وماجوج } فغنينا ها هنا من إعادة ذلك . و «الحدب » كل متسنم من الأرض كالجبل والظرب والكدية والقبر ونحوه . وقالت فرقة المراد بقوله ، { وهم } { يأجوج ومأجوج } لأنهم يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويعمون الأرض وذلك أنهم من الكثرة بحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «يقول الله تعالى يوم القيامة لآدم أخرج بعث النار من ذريتك فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين » قال{[8276]} ففزع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «إن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألف رجل »{[8277]} ويروى أن الرجل منهم لا يموت حتى يولد له ألف بين رجل وامرأة وقالت فرقة المراد بقوله { وهم } جميع العالم وإنما هو تعريف بالبعث من القبور وقرأ ابن مسعود «من كل جدث » وهذه القراءة تؤيد هذا التأويل ، و { ينسلون } معناه يسرعون في تطامن{[8278]} ومنه قول الشاعر : [ الرمل ]
عسلان الذئب أمسى قارباً . . . برد الليل عليه فنسل{[8279]}
وقرأت فرقة بكسر السين ، وقرأت بضمها ، وأسند الطبري عن أبي سعيد قال يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحداً إلا قتلوه إلا أهل الحصون فيمرون على بحيرة طبرية فيمر آخرهم فيقول كان هنا مرة ما ، قال فيبعث الله عليهم النغف حتى تكسر أعناقهم فيقول أهل الحصون لقد هلك أعداء الله فيدلون رجلاً ينظر فيجدهم قد هلكوا قال فينزل الله تعالى من السماء فيقذف بهم في البحر فيطهر الأرض منهم{[8280]} ، وفي حديث حذيفة نحو هذا وفي آخره قال وعند ذلك طلوع الشمس من مغربها{[8281]} ، وروي أن ابن عباس رأى صبياناً يلعبون وينزوا بعضهم على بعض فقال هكذا خروج يأجوج ومأجوج .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{حتى إذا فتحت} يعني: أرسلت {يأجوج ومأجوج}... {وهم من كل حدب ينسلون} يقول: من كل مكان يخرجون من كل جبل، وأرض، وبلد، وخروجهم عند اقتراب الساعة، فذلك قوله عز وجل: {واقترب الوعد الحق}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: حتى إذا فُتح عن يأجوج ومأجوج -وهما أمّتان من الأمم- ردمهما...
وأما قوله:"وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ" فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به؛ فقال بعضهم: عُني بذلك بنو آدم أنهم يخرجون من كل موضع كانوا دفنوا فيه من الأرض، وإنما عُني بذلك الحشرُ إلى موقف الناس يوم القيامة...
وقال آخرون: بل عني بذلك يأجوج، ومأجوج وقوله: «وهم» وكناية أسمائهم... والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا: عني بذلك يأجوج ومأجوج، وأن قوله: "وَهُمْ "كناية عن أسمائهم، للخبر الذي:
حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن قتادة الأنصاري، ثم الظفري، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل، عن أبي سعيد الخدريّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُفْتَحُ يأْجُوجُ ومَأْجُوجَ يَخْرُجُونَ عَلى النّاسِ كمَا قالَ اللّهُ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيُغَشّونَ الأرضَ»...
وأما قوله: "مِنْ كُلّ حَدَبٍ" فإنه يعني من كل شرف ونشَز وأكمة...
وأما قوله: "يَنْسِلُونَ" فإنه يعني: أنهم يخرجون مشاة مسرعين في مشيهم كنسلان الذئب...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... قيل: {من كل حدب} من كل جهة ومن كل مكان {ينسلون} قيل: يسرعون، وقيل: يخرجون...
أخبر أنهم {من كل حدب} أي من كل ناحية ومن كل جهة يسرعون؛ كأنهم لما سد عليهم ذلك السد، وحيل بينهم وبين ما يتعيشون، ويرتزقون من هذا العالم، تفرقوا في تلك الأمكنة لطلب ما يتعيشون به. فإذا بلغهم خبر فتح السد أتوا من كل جهة وناحية كانوا متفرقين فيها {ينسلون} يسرعون لأنهم كانوا مذ سد عليهم السد متفرقين في كل جهة، فلما فتح خرجوا مسرعين.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: بم تعلقت {حتى} واقعة غاية له، وأية الثلاث هي؟ قلت: هي متعلقة بحرام، وهي غاية له؛ لأنّ امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة، وهي {حتى} التي يحكى بعدها الكلام، والكلام المحكيّ: الجملة من الشرط والجزاء، أعني: «إذا» وما في حيزها، حذف المضاف إلى {يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} وهو سدّهما، كما حذف المضاف إلى القرية وهو أهلها. وقيل: فتحت كما قيل: {أهلكناها}.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
تحتمل {حتى} في هذه الآية أن تكون متعلقة بقوله {وتقطعوا} [الأنبياء: 93] وتحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تعلق ب {يرجعون} [الأنبياء: 95] وتحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب {إذا}؛ لأنها تقتضي جواباً وهو المقصود ذكره، واختلف هنا الجواب، فقالت فرقة الجواب قوله {اقترب الوعد} والواو زائدة، وقالت فرقة منها الزجاج وغيره الجواب في قوله {يا ويلنا} التقدير قالوا {يا ويلنا} وليست الواو بزائدة، والذي أقول إن الجواب في قوله {فإذا هي شاخصة} وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأَنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
هذا تحذير من الله للناس، أن يقيموا على الكفر والمعاصي، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم، وقد سد عليهم ذو القرنين، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض، وفي آخر الزمان، ينفتح السد عنهم، فيخرجون إلى الناس في هذه الحالة والوصف، الذي ذكره الله من كل من مكان مرتفع، وهو الحدب ينسلون أي: يسرعون. وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة، وإسراعهم في الأرض، إما بذواتهم، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد، وتسهل عليهم الصعب، وأنهم يقهرون الناس، ويعلون عليهم في الدنيا، وأنه لا يد لأحد بقتالهم.