التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

ثم ساق - سبحانه - جانبا من قصة آدم - عليه السلام - فذكر لنا كيف أنه نسى عهد ربه له ، فأكل من الشجرة التى نهاه الله - تعالى - عن الأكل منها ، ومع ذلك فقد قبل - سبحانه - توبته ، وغسل حوبته . . . قال - تعالى - : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ . . . } .

اللام فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ . . . } هى الموطئة للقسم ، والمعهود محذوف ، وهو النهى عن الأكل من شجرة معينة ، كما وضحه فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - : { وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين } أى : والله لقد عهدنا إلى آدم - عليه السلام - وأوصيناه ألا يقرب تلك الشجرة { مِن قَبْلُ } أن يخالف أمرنا فيقربها ويأكل منها ، أو من قبل أن نخبرك بذلك - أيها الرسول الكريم - .

والفاء فى قوله { فَنَسِيَ } للتعقيب ، والمفعول محذوف . أى : فنسى العهد الذى أخذناه عليه بعدم الأكل منها .

والنسيان هنا يرى بعضهم أنه بمعنى الترك ، وقد ورد النسيان بمعنى الترك فى كثير من آيات القرآن الكريم . ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا } أى : نترككم كما تركتم لقاء يومكم هذا وهو يوم القيامة .

وعليه يكون المعنى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل بعدم الأكل من الشجرة فترك الوفاء بعهدنا وخالف ما أمرناه به .

وعلى هذا التفسير فلا إشكال فى وصف الله - تعالى - له بقوله : { ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } لأن آدم بمخالفته لما نهاه الله - تعالى - عنه وهو الأكل من الشجرة - صار عاصيا لأمر ربه .

ومن العلماء من يرى أن النسيان هنا على حقيقته ، أى : أنه ضد التذكر فيكون المعنى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ما عاهدناه عليه ، وغاب عن ذهنه ما نهيناه عنه ، وهو الأكل من الشجرة .

فإن قيل : إن الناسى معذور . فكيف قال الله - تعالى - فى حقه : { وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } فالجواب : أن آدم - عليه السلام - لم يكن معذورا بالنسيان ، لأن الذر بسبب الخطأ والنسيان والإكراه . من خصائص هذه الأمة الإسلامية ، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تجاوز لى عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ . . } . للنسيان معنيان : أحدهما : الترك ، أى ترك الأمر والعهد ، وهذا قول مجاهد وأكثر المفسرين ، ومنه { نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ } وثانيهما : قال ابن عباس : " نسى " هنا من السهو والنسيان ، وإنما أخذ الإنسان من أنه عهد إليه فنسى . . . وعلى هذا القول يحتمل أن يكون آدم فى ذلك الوقت مؤاخذا بالنسيان ، وإن كان النسيان عنا اليوم مرفوعا .

والمراد تسلية النبى - صلى الله عليه وسلم - أى : أن طاعة بنى آدم للشيطان أمر قديم أى : إن نقَض هؤلاء - المشركون - العهد ، فإن آدم - أيضا - عهدنا إليه فنسى . . . " .

وقوله : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } مقرر لما قبله من غفلة آدم عن الوفاء بالعهد .

قال الجمل : وقوله : { نَجِدْ } يحتمل أنه من الوجدان بمعنى العلم ، فينصب مفعولين ، وهما " له " و " عزما " ويحتمل أنه من الوجود الذى هو ضد العدم فينصب مفعولا وهو { عَزْماً } والجار والمجرور متعلق بنجد .

والعزم : توطين النفس على الفعل ، والتصميم عليه ، والمضى فى التنفيذ للشىء . .

أى : فنسى آدم عهدنا ، ولم نجد له ثبات قدم فى الأمور ، يجعله يصبر على عدم الأكل من الشجرة بل لانت عريكته وفترت همته بسبب خديعة الشيطان له .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

{ ولقد عهدنا إلى آدم } ولقد أمرناه يقال تقدم الملك إليه وأوعز إليه وعزم عليه وعهد إليه إذا أمره ، واللام جواب قسم محذوف وإنما عطف قصة آدم على قوله { وصرفنا فيه من الوعيد } للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان وعرقهم راسخ في النسيان . { من قبل } من قبل هذا الزمان . { فنسي } العهد ولم يعن به حتى غفل عنه ، أو ترك ما وصي به من الاحتراز عن الشجرة . { ولم نجد له عزما } تصميم رأي وثباتا على الأمر إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ولم يستطع تغريره ، ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق شريها وأريها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه وقد قال الله تعالى ولم نجد له عزما وقيل عزما مفعولاه ، وإن كان من الوجود المناقض للعدم فله حال من عزما أو متعلق بنجد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

قال الطبري المعنى وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس فقدماً فعل ذلك أبوهم آدم ع وهذا التأويل ضعيف ، وذلك أن يكون { آدم } مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، و { آدم } إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضة عليه صلى الله عليه وسلم وأما الظاهر في هذه الآية ، إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله ، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه { فنسي } فعوقب لتكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم . و «العهد » هنا في معنى الوصية . و «نسي » معناه ترك ، والنسيان الذهول لكن هنا أنه لا يتعلق بالناسي عقاب ، وقرأ الأعمش «فنسي » بسكون الياء ووجهها طلب الخفة ، و «العزم » المضي على المعتقد في أي شيء كان ، وآدم عليه السلام كان معتقداً لأن لا يأكل من الشجرة لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده ، وعبر بعض المفسرين عن العزم هنا بالصبر وبالحفظ وبغير ذلك مما هو أعم من حقيقة العزم والشيء الذي عهد إلى آدم هو أن يقرب الشجرة وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له ، وقال أبو أمامة لو أن أحلام بني آدم وضعت منذ خلق الله إلى يوم القيامة ووضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم ، وقد قال الله له { ولم نجد له عزماً } .