التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

وبعد هذا التطواف فى أعماق الأنفس والآفاق . أخذت السورة الكريمة فى أواخرها ، تذكر الناس بمراحل حياتهم ، وبأحوالهم يوم القيامة ، وبفضائل القرآن الكريم ، وبأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالصبر والثبات . . قال - تعالى - : { الله الذي خَلَقَكُمْ . . . الذين لاَ يُوقِنُونَ } .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - { الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ . . } .

استدلال آخر على قدرته - تعالى - ومعنى { مِّن ضَعْفٍ } من نطفة ضعيفة ، أو فى حال ضعف ، وهو ما كانوا عليه فى الابتداء من الطفولة والصغر . . وقرأ الجمهور بضم الضاد ، وقرأ عاصم وحمزة بفتحها ، والضعف - بالضم والفتح - خلاف القوة ، وقيل بالفتح فى الرأى ، وبالضم فى الجسد .

وقال - سبحانه - : { خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } ولم يقل خلقكم ضعافاً . . . . للإشعار بأن الضعف هو مادتهم الأولى التى تركب منها كيانهم ، فهو شامل لتكوينهم الجسدى ، والعقلى ، والعطافى ، والنفسى . . إلخ . أى : الله - تعالى - بقدرته ، هو الذى خلقكم من ضعف ترون جانباً من مظاهره فى حالة طفولتكم وحداثة سنكم .

{ ثُمَّ جَعَلَ } - سبحانه - { مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً } أى : ثم جعل لكم من بعد مرحلة الضعف مرحلة أخرى تتمثل فيها القوة بكل صورها الجسدية والعقلية والنفسية . .

{ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً } أى : ثم جعل من بعد مرحلة القوة ، مرحلة ضعف آخر ، تعقبه مرحلة أخرى أشد منه فى الضعف ، وهى مرحلة الشيب والهرم والشيخوخة التى هى أرذل العمر ، وفيها يصير الإِنسان أشبه ما يكون بالطفل الصغير فى كثير من أحواله . .

{ يَخْلُقُ } - سبحانه - { مَا يَشَآءُ } خلقه { وَهُوَ العليم } بكل شئ { القدير } على كل شئ .

فأنت ترى أن هذه الآية قد جمعت مراحل حياة الإِنسان بصورها المختلفة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

{ الله الذي خلقكم من ضعف } أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله { خلق الإنسان ضعيفا } أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة . { ثم جعل من بعد ضعف قوة } وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح . { ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } إذا أخذ منكم السن ، وفتح عاصم وحمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما : قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ضعف فأقرأني من ضعف " . وهما لغتان كالفقر والفقر والتنكير مع التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم . { يخلق ما يشاء } من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة . { وهو العليم القدير } فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

وهذه أيضاً عبر بين فيها أن الأوثان لا مدخل لها فيها .

وقرأ جمهور القراء والناس بضم الضاد في «ضُعف » ، وقرأ عاصم وحمزة بفتحها وهي قراءة ابن مسعود وأبي رجاء ، والضم أصوب ، وروي عن ابن عمر أنه قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح فردها عليه بالضم{[9335]} ، وقال كثير من اللغويين : ضم الضاد في البدن وفتحها في العقل ، وروي عن أبي عبد الرحمن والجحدري والضحاك أنهم ضموا الضاد في الأول والثاني وفتحوا «ضَعفاً »{[9336]} ، وقرأ عيسى بن عمر «من ضُعُف » بضمتين ، وهذه الآية إنما يراد بها حال الإنسان ، و «الضعف » الأول هو كون الإنسان من ماء مهين ، و «القوة » بعد ذلك الشبيبة ، وقوة الأسر ، و «الضعف » الثاني الهرم والشيخ هذا قول قتادة وغيره .


[9335]:أخرجه سعيد بن منصور، وأحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، وابن المنذر، والطبراني، والشيرازي في الألقاب، والدارقطني في الأفراد، وابن عدي، والحاكم، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه، والخطيب في تالي التلخيص – عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم : {الله الذي خلقكم من ضعف} فقال: {من ضعف} يا بني. (الدر المنثور).
[9336]:قال القرطبي: "وقرأ الجحدري: {من ضعف ثم جعل من بعد ضعف} بالفتح فيهما، [ضعفا] بالضم خاصة" 1 هـ. فقارن هذا بما ذكره ابن عطية. وما في البحر المحيط يوافق ما قاله ابن عطية. وقد حدث خلاف في الرواية عن عاصم، وذكر الإمام الحافظ ابن الجذري ذلك في كتابه: "النشر في القراءات العشر" فقال: وروينا عن حفص من طرق أنه قال: ما خالفت عاصما في شيء من القرآن إلا في هذا الحرف، وقد صح عنه الفتح والضم جميعا، فروى عنه عبيد، وأبو الربيع الزهراني، والفيل عن عمرو عنه الفتح رواية، وروى عنه أبو هبيرة، والقواس، وزرعان عن عمرو عنه الضم اختيارا"، وقال الحافظ أبو عمرو: "والاختياري في رواية حفص من طرق عمرو وعبيد الأخذ بالوجهين: بالفتح والضم، فأتابع بذلك عاصما على قراءته، وأوافق به حفصا على اختياره". ثم علق الحافظ ابن الجزري على ذلك فقال: "وبالوجهين قرأت له، وبهما آخذ".