التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفٗاۖ وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡنَا بِعَزِيزٖ} (91)

ولكن القوم كانوا قد بلغوا من الفساد نهايته ، ومن الجهل أقصاه . . . فقد ردوا على هذه النصائح الغالية بقولهم : { قَالُواْ ياشعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ . . . }

أى : قال قوم شعيب له على سبيل التحدى والتكذيب : يا شعيب إننا لا نفهم الكثير من قولك ، لأنه قول لم نألفه ولم تتقبله نفوسنا ، ولقد أطلت فى دعوتنا إلى عبادة الله وترك النقص فى الكيل والميزان حتى مللنا دعوتك وسئمناها ، وصارت ثقيلة على مسامعنا ، وخافية على عقولنا . .

فمرادهم بهذه الجملة الاستهانة ، به والصدود عنه ، كما يقول الرجل لمن لا يعبأ بحديثه : لا أدرى ما تقوله ، ولا أفهم ما تتفوه به من ألفاظ .

قال أبو السعود ما ملخصه : والفقه : معرفة غرض المتكلم من كلامه ، أى : ما نفهم مرادك وإنما قالوا ذلك بعد أن سمعوا منه دلائل الحق البين على أسحن وجه وأبلغه ، وضاقت عليهم الحيل ، فلم يجدوا إلى محاورته سبيلا . . . كما هو ديدن المفحم المحجوج ، يقابل النصائح البينات بالسب والإِبراق والإِرعاد . . . إذ جعلوا كلامه المشتمل على الحكم من قبيل ما لا يفهم معناه . . .

ثم قالوا له - ثانيا - { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً } أى : لا قوة لك إلى جانب قوتنا ، ولا قدرة عندك على مقاومتنا إن أردنا قتلك أو طردك من قريتنا .

ثم قالوا له . . ثانيا - { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ } ورهط الرجل : قومه وعشيرته الأقربون . ومنه الراهط لحجر اليربوع ، لأنه يحتمى فيه . . .

ولفظ ( الرهط ) اسم جمع يطلق غالبا على العصابة دون العشرة من الرجال ليس فيهم أمرأة .

أى : ولولا عشيرتك التى هى على ملتنا وشريعتنا لرجمناك بالحجارة حتى تموت ، ولكن مجاملتنا لعشيرتك التى كفرت بك هى التى جعلتنا نبقى عليك .

ثم قالوا له - رابعا - { وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } أى : وما أنت علينا بمكرم أو محبوب أو قوى حتى نمتنع عن رجمك ، بل أنت فينا الضعيف المكروه . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفٗاۖ وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡنَا بِعَزِيزٖ} (91)

{ قالوا يا شعيب ما نفقه } ما نفهم . { كثيرا مما تقول } كوجوب التوحيد وحرمة البخس وما ذكرت دليلا عليهما ، وذلك لقصور عقولهم وعدم تفكرهم . وقيل قالوا ذلك استهانة بكلامه ، أو لأنهم لم يلقوا إليه أذهانهم لشدة نفرتهم عنه . { وإنا لنراك فينا ضعيفا } لا قوة لك فتمتنع منا إن أردنا بك سوءا ، أو مهينا لا عزّ لك ، وقيل أعمى بلغة حمير وهو مع عدم مناسبته يرده التقييد بالظرف ، ومنع بعض المعتزلة استنباء الأعمى قياسا على القضاء والشهادة والفرق بين { ولولا رهطك } قومك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم ، فإن الرهط من الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى التسعة . { لرجمناك } لقتلناك برمي الأحجار أو بأصعب وجه . { وما أنت علينا بعزيز } فتمنعنا عزتك عن الرجم ، وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والآيات بالسب والتهديد . وفي إيلاء ضميره حرف النفي تنبيه على أن الكلام فيه لا في ثبوت العزة ، وأن المانع لهم عن إيذائه عزة قومه . ولذلك { قال يا قوم أرهطي أعزّ عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظِهريّاً }