التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : اعلم أن هذا ابتداء قصة ثالثة ذكرها الله - تعالى - فى هذه السورة ، وهى أن موسى - عليه السلام - ذهب إلى الخضر ليتعلم منه ، وهذا وإن كان كلاما مستقلا فى نفسه إلا أنه يعين على ما هو المقصود فى القصتين السابقتين : أما نفع هذه القصة فى الرد على الكفار الذين افتخروا على فقراء المسلمين ، فهو أن موسى مع كثرة علمه وعمله . . ذهب إلى الخضر لطلب العلم وتواضع له .

وأما نفع هذه القصة فى قصة أصحاب الكهف ، فهو أن اليهود قالوا لكفار مكة : " إن أخبركم محمد صلى الله عليه وسلم عن هذه القصة فهو نبى وإلا فلا ؛ وهذا ليس بشىء . لأنه لا يلزم من كونه نبيا أن يكون عالما بجميع القصص كما أن كون موسى نبيا لم يمنعه من الذهاب ليتعلم منه " .

وموسى - عليه السلام - هو ابن عمران ، وهو أحد أولى العزم من الرسل ، وينتهى نسبه إلى يعقوب - عليه السلام - .

وفتاه : هو يوشع بن نون ، وسمى بذلك لأنه كان ملازما لموسى - عليه السلام - ويأخذ عنه العلم .

وقوله : { لا أبرح } أى : لا أزال سائرا . ومنه قوله - تعالى - { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ } من برح الناقص .

قال الجمل : " واسمها مستتر وجوبا ، وخبرها محذوف ، تقديره : لا أبرح سائرا ، وقوله { حتى أبلغ } . . غاية لهذا المقدر . ويحتمل أنها تامة فلا تستدعى خبرا ، بمعنى : لا أزول عما أنا عليه من السير والطلب ولا أفارقه حتى أبلغ . . " .

و { مجمع البحرين } : المكان الذى فيه يلتقى البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط .

قال الآلوسى : " والمجمع : الملتقى ، وهو اسم مكان . . والبحران : بحر فارس والروم ، كما روى عن مجاهد وقتادة وغيرهما وملتقاهما : مما يلى المشرق ولعل المراد مكان يقرب فيه التقاؤهما . . وقيل البحران : بحر الأردن وبحر القلزم . . " .

وقال بعض العلماء : " والأرجح - والله أعلم - أن مجمع البحرين : بحر الروم وبحر القلزم .

أى : البحر الأبيض والبحر الأحمر . ومجمعهما مكان التقائهما فى منطقة البحيرات المرة وبحيرة التمساح . أو أنه مجمع خليجى العقبة والسويس فى البحر الأحمر . فهذه المنطقة كانت مسرح تاريخ بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر ، وعلى أية حال فقد تركها القرآن مجملة فنكتفى بهذه الإِشارة " .

والمعنى : واذكر - أيها الرسول الكريم - لقومك لكى يعتبروا ويتعظوا وقت أن قال أخوك موسى - عليه السلام - لفتاه يوشع بن نون ، اصحبنى فى رحلتى هذه فإنى لا أزال سائرا حتى أصل إلى مكان التقاء البحرين ، فأجد فيه بغيتى ومقصدى ، { أو أمضى } فى سيرى { حقبا } أى : زمنا طويلا ، إن لم أجد ما أبتغيه هناك .

والحقب - بضم الحاء والقاف - جمعه أحقاب ، وفى معناه : الحقبة - بكسر الحاء - وجمعها حقب - كسدرة وسدر - والحقبة - بضم الحاء - وجمعها : حقب كغرفة وغرف - قيل : مدتها ثمانون عاما . وقيل سبعون . وقيل : زمان من الدهر مبهم غير محدد .

والآية الكريمة تدل بأسلوبها البليغ ، على أن موسى - عليه السلام - كان مصمما على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة فى سبيل ذلك ، ومهما يكن الزمن الذى يقطعه فى سبيل الوصول إلى غايته وهو يعبر عن هذا التصميم بما حكاه عنه القرآن بقوله : { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } .

وقد أشار الآلوسى - رحمه الله - إلى سبب تصميم موسى على هذه الرحلة فقال : وكأن منشأ عزيمة موسى - عليه السلام - على ما ذكره ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس عن أبى بن كعب ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن موسى - عليه السلام - قام خطيبا فى بنى إسرائيل فسئل : أى الناس أعلم ؟ فقال : أنا . فعاتبه الله - تعالى - عليه ، إذ لم يرد العلم إليه - سبحانه - فأوحى الله - تعالى - إليه : إن لى عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك " .

وفى رواية أخرى عنه عن أبى - أيضا - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن موسى - عليه السلام - سأل ربه فقال : أى رب إن كان فى عبادك أحد هو أعلم منى فدلنى عليه فقال له : " نعم فى عبادى من هو أعلم منك ، ثم نعت له مكانه وأذن له فى لقائه " " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

{ وإذ قال موسى } مقدر باذكر . { لِفتاه } يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليهم الصلاة والسلام فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه وقيل لعبده . { لا أبرح } أي لا أزال أسير فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر وقوله : { حتى أبلُغ مجمع البحرين } من حيث إنها تستدعي ذا غاية عليه ، ويجوز أن يكون أصله لا يبرح مسيري حتى أبلغ على أن حتى أبلغ هو الخبر ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فانقلب الضمير والفعل وأن يكون { لا أبرح } هو بمعنى لا أزول عما أنا عليه من السير والطلب ولا أفارقه فلا يستدعي الخبر ، و{ مجمع البحرين } ملتقى بحري فارس ولروم مما يلي المشرق وُعد لقاء الخضر فيه . وقيل البحران موسى وخضر عليهما الصلاة والسالم فإن موسى كان بحر علم الظاهر والخضر كان بحر علم الباطن . وقرئ " مِجْمَع " بكسر الميم على الشذوذ من يفعل كالمشرق والمطلع { أو امضي حُقباً } أو أسير زمانا طويلا ، والمعنى حتى يقع إما بلوغ المجمع أو مضي الحقب أو حتى أبلغ إلا أن أمضي زمانا أتيقن معه فوات المجمع ، والحقب الدهر وقيل ثمانون سنة وقيل سبعون . روي : أن موسى عليه الصلاة والسلام خطب الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأعجب بها فقيل له : هل تعلم أحدا أعلم منك فقال : لا ، فأوحى الله إليه بل أعلم منك عبدنا الخضر وهو بمجمع البحرين ، وكان الخضر في أيام افريدون وكان على مقدمة ذي القرني الأكبر وبقي إلى أيام موسى . وقيل إن موسى عليه السلام سأل ربه أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني ، قال فأي عبادك أقضى ، قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى ، قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ، فقال إن كان في عبادك أعلم مني فادللني عليه ، قال أعلم منك الخضر قال : أين أطلبه ، قال على الساحل عند الصخرة ، قال كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك ، فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان .