التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (46)

ثم ساق - سبحانه - ما يؤكد هذه المعانى تأكيدا قويا ، حتى يخرس ألسنة الكافرين ، فقال - تعالى - : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا } .

أى : وما كنت - أيضا أيها الرسول الكريم - بجانب الجبل المسمى بالطور وقت أن نادينا موسى ، وكلفناه بحمل رسالتنا ، وأعطيناه التوراة ، وأوحينا إليه بما أوحينا من أحكام وتشريعات .

وقوله - تعالى - : { ولكن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } أى : ولكن فعلنا ما فعلنا ، بأن أرسلناك إلى الناس ، وقصصنا عليك ما نريده من أخبار الأولين ، من أجل رحمتنا بك وبالناس ، حتى يعتبروا ويتعظوا بأحوال السابقين ، فالعاقل من اتعظ بغيره .

فقوله - تعالى - : { رَّحْمَةً } منصوب على أنه مفعلو لأجله ، أو على المصدرية .

وقوله - سبحانه - : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ } صفة لقوله { قَوْماً } و { مَّآ } موصولة مفعول ثان لتنذر ، وقوله : { مِّن نَّذِيرٍ } متعلق .

أى : أرسلناك رحمة ، لتنذر قوما العقاب الذى أتاهم من نذير من قبلك ، وكما قال - تعالى - : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } وصح أن تكون { مَّآ } فى قوله { مِّن نَّذِيرٍ } للتأكيد ، فيكون المعنى : أرسلناك رحمة لتنذر هؤلاء المشركين من أهل مكة الذين لم يأتهم نذير من قبلك منذ أزمان متطاولة . إذ الفترة التى بينك وبين أبيهم إسماعيل تزيد على ألفى سنة .

ورسالة إسماعيل إليهم قد اندرست معالمها ، فكانت الحكمة والرحمة تقتضيان إرسالك إليهم لتنذرهم سوء عاقبة الشرك .

أما معظم الرسل من قبلك - كموسى وعيسى وزكريا ويحيى وداود وسليمان فكانت مع تباعد زمانها عنك - أيضا - إلى غيرهم من بنى إسرائيل ، ومن الأمم الأخرى ، المتناثرة فى طراف الجزيرة العربية .

فالمراد بالقوم على هذا الرأى : العرب المعاصرون له صلى الله عليه وسلم كما قال - تعالى - : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } ولعل هذا الرأى أقرب إلى سياق الآيات ، وإلى إقامة الحجة على مشركى قريش ، الذين وقفوا من الرسول صلى الله عليه وسلم موقف المكذب لرسالته ، المعادى لدعوته .

وقوله - سبحانه - : { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } تذيبل قصد به حضهم على التذكر والاعتبار .

أى : أرسلناك إليهم كى يتذكروا ما ترشدهم إليه ، ويعتبروا بما جئتهم به ، ويخشوا سوء عاقبة مخالفة إنذارك لهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (46)

{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } - قال أبو عبد الرحمن النسائي ، في التفسير من سننه : أخبرنا علي بن حُجْر ، أخبرنا عيسى - وهو ابن يونس - عن حمزة الزيات ، عن الأعمش ، عن علي بن مُدْرِك ، عن أبي زُرْعَة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه { : وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } ، قال : نودوا : يا أمة محمد ، أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وأجبتكم قبل أن تدعوني .

وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث جماعة ، عن حمزة - وهو ابن حبيب الزيات - عن الأعمش . ورواه ابن جرير من حديث وكيع ويحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن علي بن مُدْرِك ، عن أبي زُرْعَة - وهو ابن عمرو بن جرير{[22332]} - أنه قال ذلك من كلامه ، والله أعلم .

وقال مُقاتِل بن حَيَّان : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } : أمتك في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت .

وقال قتادة : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } موسى . وهذا - والله أعلم - أشبه بقوله تعالى : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ } .

ثم أخبر هاهنا بصيغة أخرى أخص من ذلك ، وهو النداء ، كما قال تعالى : { وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى } [ الشعراء : 10 ] ، وقال : { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [ النازعات : 16 ] ، وقال : { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } [ مريم : 52 ] .

وقوله : { وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } أي : ما كنت مشاهدًا لشيء من ذلك ، ولكن الله أوحاه إليك وأخبرك به ، رحمة منه لك وبالعباد بإرسالك إليهم ، { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي : لعلهم يهتدون بما جئتهم به من الله عز وجل .


[22332]:- تفسير الطبري (20/51) والذي فيه من طريق سفيان ويحيى بن عيسى.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (46)

وقوله { وما كنت بجانب الطور } يريد وقت إنزال التوراة إلى موسى .

وقوله تعالى : { إذ نادينا } ، روي عن أبي هريرة أنه نودي يومئذ من السماء يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وغفرت لكم قبل أن تسألوني{[9152]} ، فحينئذ قال موسى عليه السلام : اللهم اجعلني من أمة محمد ، فالمعنى { إذا نادينا } بأمرك وأخبرنا بنبوتك وقوله { رحمة } نصب على المصدر أو مفعول من أجله ، وقوله { لكن } مرتبط بقوله { وما كنت } أي { ولكن } جعلناك وأنفذنا أمرك قديماً { رحمة من ربك } أو يكون المعنى { ولكن } أعلمناك ونبأناك { رحمة } منا لك وإفضالاً ، وقرأ الناس «رحمةً » بالنصب ، وقرأ عيسى «رحمة » بالرفع ، ويريد بالقوم الذين لم يأتهم نذير معاصر به من العرب ، وباقي الآية بين ، وقال الطبري : معنى قوله { إذ نادينا } بأن سأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً{[9153]} عندهم في التوراة والإنجيل .


[9152]:أخرجه الفريابي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل- عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا. (الدر المنثور). وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل، وأبو نصر السجزي في الإبانة، والديلمي – عن عمرو بن عبسة- قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك} ما كان النداء؟ وما كانت الرحلة؟ قال: كتاب كتبه الله قبل أن يخلق خلقه بألفي عام، ثم وضعه على عرشه ثم نادى: يا أمة محمد، سبقت رحمتي غضبي، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبدي ورسولي صادقا أدخلته الجنة، (الدر المنثور).
[9153]:من الآيتين 156-157 من سورة الأعراف.