التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (108)

ثم أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم : إن يسير في طريقه الذي رسمه له ، وأن يدعو الناس إليه فقال : { قُلْ هذه سبيلي أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعني . . . } والبصيرة : المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس هذه طريقى وسبيلى واحدة مستقيمة لا عوج فيها ولا شبهة ، وهى أنى أدعو إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، ببصيرة مستنيرة ، وحجة واضحة ، وكذلك أتباعى يفعلون ذلك . . . ولن نكفّ عن دعوتنا هذه مهما اعترضنا العقبات .

واسم الإِشارة { هذه } مبتدأ ، و { سبيلى } خبر ، وجملة { أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ .

. . } حالية ، وقد جئ بها على سبيل التفسير للطريقة التي انتهجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته .

وقوله { وَسُبْحَانَ الله وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين } تنزيه لله - تعالى - عن كل ما لا يليق به على أبلغ وجه .

أى : وأنزه الله - تعالى - تنزيهاً كاملاً عن الشرك والشركاء ، وما أنا من المشركين ببه في عبادته أو طاعته في أى وقت من الأوقات .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (108)

يقول [ الله ]{[15378]} تعالى لعبد ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمرًا له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله ، أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بَصِيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكلّ من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي .

وقوله : { وَسُبْحَانَ اللَّهِ } أي : وأنزه الله وأجلّه وأعظّمه وأقدّسه ، عن أن يكون له شريك أو نظير ، أو عديل أو نديد ، أو ولد أو والد أو صاحبة ، أو وزير أو مشير ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن ذلك كله علوا كبيرا ، { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [ الإسراء : 44 ] .


[15378]:- زيادة من أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (108)

{ قل هذه سبيلي } يعني الدعوة إلى التوحيد والإعداد للمعاد ولذلك فسر السبيل بقوله : { أدعو إلى الله } وقيل هو حال الياء . { على بصيرة } بيان وحجة واضحة غير عمياء . { أنا } تأكيد للمستتر في { أدعو } أو { على بصيرة } لأنه حال منه أو مبتدأ خبره { على بصيرة } . { ومن اتبعني } عطف عليه . { وسبحان الله وما أننا من المشركين } وأنزهه تنزيها من الشركاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (108)

وقوله تعالى : { قل هذه سبيلي } الآية ، إشارة إلى دعوة الإسلام والشريعة بأسرها . قال ابن زيد : المعنى : هذا أمري وسنتي ومنهاجي .

وقرأ ابن مسعود : «قل هذا سبيلي » «والسبيل » : المسلك ، وتؤنث وتذكر ، وكذلك الطريق{[6855]} ، و { بصيرة } : اسم لمعتقد الإنسان في الأمر من الحق واليقين ، و «البصيرة » أيضاً في كلام العرب : الطريقة في الدم ، وفي الحديث المشهور : «تنظر في النصل فلا ترى بصيرة »{[6856]} ، وبها فسر بعض الناس قول الأشعر الجعفي :

راحوا بصائرهم على أكتافهم*** وبصيرتي يعدو بها عتد وأي{[6857]}

يصف قوماً باعوا دم وليهم فكأن دمه حصلت منه طرائق على أكتفاهم إذ هم موسومون عند الناس ببيع ذلك الدم .

قال القاضي أبو محمد : ويجوز أن تكون «البصيرة » في بيت الأشعر على المعتقد الحق ، أي جعلوا اعتقادهم طلب النار وبصيرتهم في ذلك وراء ظهورهم ، كما تقول : طرح فلان أمري وراء ظهره .

وقوله : { أنا ومن اتبعني } يحتمل أن يكون تأكيداً للضمير في { ادعوا } ويحتمل أن تكون الآية كلها أمارة بالمعروف داعية إلى الله الكفرة به والعصاة .

و { سبحان الله } تنزيه لله ، أي وقل : سبحان الله ، وقل متبرئاً من الشرك . وروي أن هذه الآية : { قل هذه سبيلي } إلى آخرها كانت مرقومة على رايات يوسف عليه السلام .


[6855]:في إعراب {أدعوا إلى الله على بصيرة} آراء كثيرة، أشهرها أن مفعول [أدعو] محذوف تقديره: أدعو الناس، و {على بصيرة} متعلق بالفعل [أدعو]، و (أنا) توكيد للضمير المستكن في [أدعو] و [من] معطوف على [أنا]، والمعنى: أدعو إليها أنا ومن اتبعني، ويجوز أن يكون {على بصيرة} حالا من ضمير [أدعو] فيتعلق بمحذوف، و [أنا] فاعلا بالجار والمجرور النائب عن ذلك المحذوف، و [من] معطوف على [أنا].
[6856]:أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الزكاة، وأحمد في (3ـ5)، ولفظه فيه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته، يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق، هم شر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين من الحق، قال: فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثلا، أو قال قولا: الرجل يرمي الرمية، أو قال: الغرض، فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، قال: قال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم يأهل العراق.
[6857]:قال في اللسان: "البصيرة: مقدار الدرهم من الدم، وقيل: البصيرة من الدم: ما لم يسل، وقيل: هو الدفعة منه، وقيل: البصيرة: دم البصيرة: دم البكر، قال: راحوا بصائرهم... البيت. ويعني بالبصائر دم أبيهم، يقول: تركوا دم أبيهم خلفهم ولم يثأروا به وطلبته أنا، قال في الصحاح: وأنا طلبت ثأري، وكان أبو عبيدة يقول: البصيرة في هذا البيت: الترس أو الدرس، وكان يرويه: حملوا بصائرهم، وقال ابن الأعرابي: راحوا بصائرهم يعني ثقل دمائهم على أكتافهم لم يثأروا بها". ا هـ. مادة بصر. هذا وعتد: معد مهيأ يقصد نفسه، يقال: فرس عتد: معد للجري، و (أي) استفهام للتهويل والتعظيم.