التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (67)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعمة أخرى من نعم الله التي لا تحصى ، وهي نعمة ثمرات النخيل والأعناب ، فقال - تعالى - : { وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً . . . } .

قال الجمل ما ملخصه : قوله - سبحانه - : { وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب . . } خبر مقدم ، ومن تبعيضية ، والمبتدأ محذوف تقديره ثمر ، وقوله : { تتخذون } ، نعت لهذا المبتدأ المحذوف ، أي : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا .

ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف ، والتقدير : ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب ، أي : من عصيرهما ، وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه ، وقوله { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } ، بيان وكشف عن كيفية الإِسقاء .

والضمير في قوله : { منه } يعود على المضاف المحذوف الذي هو العصير ، أو على المبتدأ المحذوف وهو الثمر .

والسكر - بفتح السين والكاف - اسم من أسماء الخمر ، يقال : سكر فلان - بوزن فرح - يسكر سكرا ، إذا غاب عقله وإدراكه ، فهو سكران ، وسكر - بفتح السين وكسر الكاف - .

وأما الرزق الحسن ، فالمراد به ما كان حلالا من ثمرات النخيل والأعناب ، كالتمر والزبيب وغير ذلك مما أحله الله - تعالى - من ثمارها .

وعلى هذا المعنى سار جمهور العلماء من السلف والخلف .

قال الألوسي ما ملخصه : والسكر : الخمر . قال الأخطل :

بئس الصُّحاة وبئس الشَّرب شَربُهم . . . إذا جرى فيهم المزَّاءُ والسَّكَر

والمزاء : نوع من الأشربة . والسكر ما يسكر وهو الخمر .

وفسروا الرزق الحسن . بالخل والتمر والزبيب وغير ذلك .

ثم قال : وتفسير " السَّكَر " بالخمر ، هو المروي عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي رزين ، والحسن ، ومجاهد ، والشعبي . . والنخعي . . مع خلق آخرين . . .

وعلى هذا التفسير الذي قاله جمهور العلماء يكون السكر غير الرزق الحسن ، ويكون العطف للتغاير .

ومن العلماء من فسر السكر بأنه اسم للخل ، أو للعصير غير المسكر ، أو لما لا يسكر من الأنبذة ، وقد بسط الإِمام القرطبي القول في هذه المسألة فقال ما ملخصه : قوله - تعالى - : { سكرا } ، السكر : ما يسكر ، هذا هو المشهور في اللغة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (67)

ولما ذكر اللبن وأنه تعالى جعله شرابا للناس سائغا{[16527]} ، ثَنَّى بذكر ما يتخذه الناس من الأشربة ، من ثمرات النخيل والأعناب ، وما كانوا يصنعون ، من النبيذ المسكر قبل تحريمه ؛ ولهذا امتن به عليهم ، فقال : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } ، دل على إباحته شرعا قبل تحريمه ، ودل على التسوية بين السَّكَر المتخذ من العنب ، والمتخذ من النخل ، كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء ، وكذا حُكْم سائر الأشربة المتخذة من الحنطة والشعير والذرة والعسل ، كما جاءت السنة بتفصيل ذلك ، وليس هذا موضع بسط ذلك ، كما قال{[16528]} ابن عباس في قوله : { سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } ، قال : السَّكَر : ما حرم من ثمرتيهما ، والرزق الحسن : ما أحل من ثمرتيهما . وفي رواية : السَّكر : حرامه ، والرزق الحسن : حلاله . يعني : ما يبس منهما من تمر وزبيب ، وما عمل منهما من طلاء - وهو الدِّبس{[16529]} - وخل ونبيذ ، حلال يشرب قبل أن يشتد ، كما وردت السنة بذلك .

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ، ناسب ذكر العقل هاهنا ، فإنه أشرف ما في الإنسان ؛ ولهذا حرم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة ، صيانة لعقولها ؛ قال الله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ } [ يس : 34 - 36 ] .


[16527]:في ف: "وسائغا".
[16528]:في ف: "قاله".
[16529]:الطلاء: الشراب المطبوخ من عصير العنب، وأما الدبس: فهو عسل التمر وعصارته.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (67)

{ ومن ثمرات النخيل والأعناب } ، متعلق بمحذوف ، أي : ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب ، أي : من عصيرهما ، وقوله : { تتخذون منه سكراً } ، استئناف لبيان الإسقاء أو ب { تتخذون } ، ومنه تكرير للظرف تأكيدا ، أو خبر لمحذوف ، صفته { تتخذون } ، أي : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه ، وتذكير الضمير على الوجهين الأولين ؛ لأنه للمضاف المحذوف ، الذي هو : العصير ، أو لأن ال { ثمرات } ، بمعنى : الثمر ، وال { سكر } ، مصدر ، سمي به الخمر . { ورزقا حسنا } ، كالتمر ، والزبيب ، والدبس ، والخل . والآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر ، فدالة على كراهتها ، وإلا فجامعة بين العتاب والمنة . وقيل ال { سكر } ، النبيذ . وقيل : الطعم . قال :

جعلتُ أعراض الكرام سُكرا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي : تنقلت بأعراضهم . وقيل ما يسد الجوع من السكر ، فيكون الرزق ما يحصل من أثمانه .