فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (67)

فإن قلت : بم تعلق قوله : { وَمِن ثمرات النخيل والأعناب } ؟ قلت : بمحذوف تقديره : ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب ، أي : من عصيرها ، وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه ، وقوله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } ، بيان وكشف عن كنه الإسقاء . أو يتعلق بتتخذون ، و " منه " من تكرير الظرف للتوكيد ، كقولك : زيد في الدار فيها ، ويجوز أن يكون { تَتَّخِذُونَ } صفة موصوف محذوف ، كقوله :

جادت بِكَفّي كَانَ مِنْ أَرْمَى الْبَشَرْ ***

تقديره : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً ؛ لأنهم يأكلون بعضها ويتخذون من بعضها السكر . فإن قلت : فإلام يرجع الضمير في " منه " إذا جعلته ظرفاً مكرّراً ؟ قلت : إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير ، كما رجع في قوله تعالى : { أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } [ الأعراف : 4 ] ، إلى الأهل المحذوف ، والسكر : الخمر ، سميت بالمصدر من سكر سكراً وسكراً . نحو رشد رشداً ورشداً . قال :

وَجَاؤُنَا بهِمْ سَكَرٌ عَلَيْنَا *** فَأَجْلَى اليَوْمُ والسَّكْرَانُ صَاحِي

وفيه وجهان : أحدهما أن تكون منسوخة . وممن قال بنسخها : الشعبي والنخعي . والثاني : أن يجمع بين العتاب والمنة . وقيل : السكر : النبيذ . وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ، ثم يترك حتى يشتدّ ، وهو حلال عند أبي حنيفة إلى حدّ السكر ، ويحتج بهذه الآية وبقوله صلى الله عليه وسلم : «الخمر حرام لعينها والسكر من كل شراب » ، وبأخبار جمة . ولقد صنف شيخنا أبو علي الجبائي قدّس الله روحه غير كتاب في تحليل النبيذ ، فلما شيخ وأخذت منه السنّ العالية قيل له : لو شربت منه ما تتقوى به ، فأبى . فقيل له : فقد صنفت في تحليله ، فقال : تناولته الدعارة فسمج في المروءة . وقيل : السكر الطُعم وأنشد :

جَعَلْتُ أَعْرَاضَ الكِرَامِ سَكَرَاً *** أي تنقلت بأعراضهم . وقيل هو من الخمر ، وإنه إذا ابترك في أعراض الناس ، فكأنه تخمر بها . والرزق الحسن : الخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك . ويجوز أن يجعل السكر رزقاً حسناً ، كأنه قيل : تتخذون منه ما هو سكر ورزق حسن .