التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (67)

سكرا : الجمهور على أن الكلمة تعني النبيذ المسكر ، المتخذ من العنب والبلح والثمر والزبيب .

رزقا حسنا : طعاما جيدا ، وهو العنب والبلح والزبيب والتمر .

تعليق على جملة : { تتخذون منه سكرا } .

ولقد كانت هذه الجملة موضوع بحث طويل في تفسير الطبري وغيره ، وروي في صددها أقوال متنوعة عن ابن عباس وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم .

وخلاصتها أن هناك من قال : إن الامتنان الرباني يدل على أن الشراب المستخرج من ثمرات النخيل والأعناب حلال مطلقا . وأن هناك من قال : إن كلمة السكر تعني : المسكر ، ويدخل في شمول معنى الخمر الذي هو المسكر ، وأن المقصود من الجملة القرآنية هو النبيذ المستخرج من تلك الثمرات الذي كان مسكرا ، وأن تحريم الخمر الذي يدخل في مشموله النبيذ المسكر ، إنما كان تشريعا مدنيا . وكان قبل ذلك مباحا يمارسه المسلمون وغيرهم . فلم يكن في ذكره تناقض مع الواقع . والمتبادر أن القول الثاني هو الأوجه ، ولا سيما أن القرآن قرر قبل تحريم الخمر أنها كانت ذات منافع اقتصادية في بيئة النبي عليه السلام ، كما ترى في آية سورة البقرة هذه : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } [ 219 ] ، وهذه الآية نزلت قبل الآية التي نهت عن الصلاة في حالة السكر في آية سورة النساء هذه : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } [ 43 ] ، ثم قبل الآيات التي تضمنت تحريم الخمر وهي : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون 90 إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } سورة المائدة [ 90-91 ] ، حيث تدل هذه الآيات على أن الخمر كان مما يمارسه المسلمون شربا وتجارة . ويكون بناء على ذلك ، لا وجه لإباحة النبيذ المسكر استنادا على آية النحل التي نحن في صددها .

ومن تحصيل الحاصل أن يقال : إن ما يستخرج من ثمرات النخيل والأعناب من شراب غير مسكر مباح ولو سمي نبيذا ؛ لأن النبذ لغة هو نقع ثمرات النخيل والأعناب في الماء . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب هذا النقيع ، على ما يستفاد من حديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس جاء فيه أنه كان ينقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الزبيب مساء ، فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ، ثم يأمره به فيسقى أو يهراق {[1260]} . ومن حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة جاء فيه : ( كنا ننبذ للنبي صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكي أعلاه ، وله عزلاء ، ننبذه غدوة فيشربه عشاء ، وننبذه عشاء فيشربه غدوة ) {[1261]} .

وهناك أحاديث صحيحة أخرى يمكن أن تكون ضوابط في هذا الباب . منها حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن ، نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإن في زيارتها تذكرة ، ونهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم ، فاشربوا في كل وعاء ، غير ألا تشربوا مسكرا . ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فكلوا واستمتعوا بها في أسفاركم ){[1262]} . وحديث رواه مسلم والترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نهيتكم عن الظروف ، وإن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه ، وكل مسكر حرام ){[1263]} . وحديث رواه البخاري ومسلم عن عائشة : ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البتع ، وهو نبيذ العسل ، فقال : كل شراب أسكر فهو حرام ){[1264]} . وحديث رواه أصحاب السنن عن جابر قال : ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أسكر كثيره فقليله حرام ) {[1265]} .


[1260]:انظر التاج ج3 ص 132.
[1261]:انظر التاج ج 3 ص 132.
[1262]:التاج ج 3 ص 128 والظرف هو الوعاء. وقد روى مسلم والترمذي عن ابن عمر قال: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحنتم وهي الجرة وعن الدبّاء وهي القرعة وعن المزفت وهو المطلي بالقار وعن النقير وهي النخلة تنسخ نسخا وتنقر نقرا وأمر أن ينتبذ في الأسقية ) التاج ج 3 ص 127. فالمتبادر أن الحديث الأول قد نسخ هذا الحديث الذي أباح النبذ في أوعية الجلد وهي الأسقية دون الأوعية الأخرى.
[1263]:انظر المصدر نفسه.
[1264]:انظر المصدر نفسه.
[1265]:انظر المصدر نفسه.