التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

ثم بين - سبحانه - مظهرا من مظاهر عدله مع عباده يوم القيامة فقال : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً . . . } .

أى : ونحضر الموازين العادلة لمحاسبة الناس على أعمالهم يوم القيامة ولإعطاء كل واحد منهم ما يستحقه من ثواب أو عقاب ، دون أن يظلم ربك أحداً من خلقه .

{ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ } أى : وإن كانت الأعمال التى عملها الإنسان فى الدنيا فى نهاية الحقارة والقلة ، أتينا بها فى صحيفة عمله لتوزن ، وكفى بنا عادِّين ومحصين على الناس أعمالهم ، إذ لا يخفى علينا شىء منها سواء أكان قليلا أم كثيراً .

قال ابن كثير : قوله : { وَنَضَعُ الموازين } الأكثر على أنه ميزان واحد ، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه .

وقال القرطبى : " الموازين : جمع ميزان ، فقيل : إنه يدل بظاهره على أن لكل مكلف ميزانا توزن به أعماله ، فتوضع الحسنات فى كفة ، والسيئات فى كفة .

وقيل : يجوز أن يكون هناك موازين للعامل الواحد ، يوزن بكل ميزان منها صنف من أعماله . . . وقيل : ذِكْر الميزان مثَل وليس ثَمَّ ميزان وإنما هو العدل ، والذى وردت به الأخبار ، وعليه السواد الأعظم القول الأول . و " القسط " صفة الموازين ووحد لأنه مصدر . . .

واللام فى قوله { لِيَوْمِ القيامة } قيل للتوقيت . أى للدلالة على الوقت ، كقولهم : جاء فلان لخمس ليال بقين من الشهر . وقيل هى لام كى ، أى : لأجل يوم القيامة ، أو بمعنى فى أى : في يوم القيامة .

وقوله - سبحانه - { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } بيان للعدل الإلهى ، وأنه - سبحانه - لا يظلم أحدا شيئا مما له أو عليه ، أى : فلا تظلم نفس شيئا من الظلم لا قليلا ولا كثيراً .

وقوله { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } تصوير لدقة الحساب ، وعدم مغادرته لشىء من أعمال الناس ، إذ الخردل حب فى غاية الصغر والدقة . ومثقال الشىء : وزنه .

وأنث الضمير فى قوله " بها " وهو راجع إلى المضاف الذى هو " حبة من خردل " .

وقوله - سبحانه - : { وكفى بِنَا حَاسِبِينَ } بيان لإحاطة الله - تعالى - : بعلم كل شىء . كما قال - تعالى - { إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء } وفى معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة منها قوله - تعالى - : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } وقوله - سبحانه - : { يابني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السماوات أَوْ فِي الأرض يَأْتِ بِهَا الله إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ } وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت أولئك المشركين بجانب من نعم الله - تعالى - عليهم ، وحضهم على التدبر والاتعاظ ، وأنذرتهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا فى كفرهم وشركهم ، وصورت لهم دقة الحساب يوم القيامة ، وأن كل إنسان سيحاسب على عمله سواء أكان صغيرا أم كبيرا ، ولا يظلم ربك أحدا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

وقوله : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } أي : ونضع الموازين العدل ليوم القيامة . الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد ، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه .

وقوله : { فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } كما قال تعالى : { وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 49 ] ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [ النساء : 40 ] ، وقال لقمان : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [ لقمان : 16 ] .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم " {[19646]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطَّالَقَاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن ليث بن سعد ، حدثني عامر بن يحيى ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر ، ثم يقول أتنكر من هذا شيئًا ؟

أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال : لا يا رب ، قال : أفلك عذر ، أو حسنة ؟ " قال : فيبهت الرجل فيقول : لا يا رب . فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم اليوم عليك . فيخرج له بطاقة فيها : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن{[19647]} محمدًا عبده ورسوله " فيقول : أحضروه ، فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول : إنك لا تظلم ، قال : " فتوضع السجلات في كفة [ والبطاقة في كفة ] " {[19648]} ، قال : " فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " قال : " ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم " {[19649]} .

ورواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث الليث بن سعد ، به ، {[19650]} وقال الترمذي : حسن غريب .

وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " توضع الموازين{[19651]} يوم القيامة ، فيؤتى بالرجل ، فيوضع في كفة ، فيوضع{[19652]} ما أحصى عليه ، فتايل{[19653]} به الميزان " قال : " فيبعث به إلى النار " قال : فإذا أدبر به إذا{[19654]} صائح من عند الرحمن عز وجل يقول : [ لا تعجلوا ]{[19655]} ، فإنه قد بقي له ، فيؤتى ببطاقة فيها " لا إله إلا الله " فتوضع مع الرجل في كفة{[19656]} حتى يميل به الميزان " {[19657]} .

وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا أبو نوح قراد{[19658]} أنبأنا ليث بن سعد ، عن مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ؛ أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جلس بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، إن لي مملوكين ، يكذبونني ، ويخونونني ، ويعصونني ، وأضربهم وأشتمهم ، فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم ، إن{[19659]} كان عقابك إياهم دون ذنوبهم ، كان فضلا لك [ عليهم ]{[19660]} وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم ، كان كفافا لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم ، اقتص لهم منك الفضل الذي يبقى{[19661]} قبلك " . فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويهتف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما له أما يقرأ كتاب الله ؟ : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } فقال الرجل : يا رسول الله ، ما أجد شيئًا خيرًا من فراق هؤلاء - يعني عبيده - إني أشهدك أنهم أحرار كلهم{[19662]} .


[19646]:- صحيح البخاري برقم (7563) وصحيح مسلم برقم (2694).
[19647]:- في ف : "وأشهد أن".
[19648]:- زيادة من ف ، والمسند.
[19649]:- المسند (2/213).
[19650]:- سنن الترمذي برقم (2639) وسنن ابن ماجه برقم (4300).
[19651]:- في ف : "يوضع الميزان".
[19652]:- في ف : "ويوضع".
[19653]:- في ف : "فيمايل".
[19654]:- في ف : "فإذا"
[19655]:- زيادة من ف ، والمسند.
[19656]:- في ف : "كفته".
[19657]:- المسند (2/221).
[19658]:- في ف ، أ : "مرارا".
[19659]:- في ف : "فإن".
[19660]:- زيادة من ف ، والمسند.
[19661]:- في ف : "بقي".
[19662]:- المسند (6/280).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىَ بِنَا حَاسِبِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وَنَضَعُ المَوَازِينَ العدل وهو القِسْطَ . وجعل القسط وهو موحد من نعت الموازين ، وهو جمع لأنه في مذهب عدل ورضا ونظر . وقوله : لِيَوْمِ القِيامَةِ يقول : لأهل يوم القيامة ، ومن ورد على الله في ذلك اليوم من خلقه . وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك إلى «في » كأن معناه عنده : ونضع الموازين القسط في يوم القيامة . وقوله : فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا يقول : فلا يظلم الله نفسا ممن ورد عليه منهم شيئا بأن يعاقبه بذنب لم يعمله أو يبخسه ثواب عمل عمله وطاعة أطاعه بها ولكن يجازي المحسن بإحسانه ، ولا يعاقب مسيئا إلا بإساءته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ . . . إلى آخر الاَية ، وهو كقوله : وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ يعني بالوزن : القِسط بينهم بالحقّ في الأعمال الحسنات والسيئات فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه ، يقول : أذهبت حسناته سيئاته ، ومن أحاطت سيئاته بحسناته فقد خفّت موازينه وأمه هاوية ، يقول : أذهبت سيئاته حسناته .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ قال : إنما هو مثل ، كما يجوز الوزن كذلك يجوز الحقّ . قال الثوري : قال ليث عن مجاهد : وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ قال : العدل .

وقوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أتَيْنا بِها يقول : وإن كان الذي له من عمل الحسنات أو عليه من السيئات وزن حبة من خردل أتَيْنَا بِهَا يقول : جئنا بها فأحضرناها إياه . كما :

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : كتبناها وأحصيناها له وعليه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : يؤتي بها لك وعليك ، ثم يعفو إن شاء أو يأخذ ، ويجزي بما عمل له من طاعة .

وكان مجاهد يقول في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : جازينا بها .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد أنه كان يقول : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : جازينا بها .

وقال : أتَيْنَا بِهَا فأخرج قوله بها مخرج كناية المؤنث ، وإن كان الذي تقدم ذلك قوله مثقال حبة ، لأنه عني بقوله بها الحبة دون المثقال ، ولو عني به المثقال لقيل «به » . وقد ذكر أن مجاهدا إنما تأوّل قوله : أتَيْنا بِها على ما ذكرنا عنه ، لأنه كان يقرأ ذلك : «آتَيْنا بِها » بمدّ الألف . وقوله : وكَفَى بِنا حاسِبِينَ يقول : وحسب من شهد ذلك الموقف بنا حاسبين ، لأنه لا أحد أعلم بأعمالهم وما سلف في الدّنا من صالح أو سيىء منا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

لما توعدهم بنفحة من عذاب الدنيا عقب ذلك بتوعد بوضع { الموازين } وإنما جمعها وهو ميزان واحد من حيث لكل أحد وزن يخصه ووحد { القسط } وهو جاء بلفظ { الموازين } مجموعاً من حيث { القسط } مصدر وصف به كما تقول قوم عدل ورضى وقرأت فرقة «القصط » بالصاد ، وقوله تعالى : { ليوم القيامة } أي لحساب يوم القيامة أو لحكم يوم القيامة فهو بتقدير حذف مضاف والجمهور على أن الميزان في يوم القيامة بعمود وكفتين توزن به الأعمال ليبين المحسوس المعروف عندهم ، والخفة والثقل متعلقة بأجسام ويقرنها الله تعالى يومئذ بالأعمال فإما أن تكون صحف الأعمال أو مثالات تخلق أو ما شاء الله تعالى . وقرأ نافع وحده «مثقالُ » بالرفع على أن تكون { كان } تامة ، وقرأ الجمهور الناس «مثقالَ » بالنصب على معنى وأن كان الشيء أو العمل ، وقرأ الجمهور «أتينا » على معنى جئنا ، وقرأ ابن عباس ومجاهد وغيرهما «آتينا » على معنى «وآتينا » من المواتاة{[8238]} ولا يقدر تفسير آتينا بأعطينا لما تعدت بحرف جر .

قال القاضي أبو محمد : ويوهن هذه القراءة أن بدل الواو المفتوحة همزة ليس بمعروف وإنما يعرف ذلك في المضمومة والمكسورة ، وفي قوله { وكفى بنا حاسبين } توعد .


[8238]:فالمعنى: جازينا بها، يقال: آتى يؤاتي مؤاتاة، بمعنى: جازى. وقال الزمخشري: هي مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة؛ لأنهم أتوه بالأعمال وآتاهم بالجزاء.