التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (68)

ثم بين - سبحانه - أن الأبناء قد امتثلوا أمر أبيهم لهم فقال : { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } .

والمراد بالحاجة هنا : نصيحته لأبنائه بأن يدخلوا من أبواب متفرقة ، خوفاً عليهم من الحسد . ومعنى { قضاها } أظهرها ولم يستطع كتمانها يقال : قضى فلان حاجة لنفسه إذا أظهر ما أضمره فيها .

أى : وحين دخل أبناء يعقوب من الأبواب المتفرقة التي أمرهم أبوهم بالدخول منها ، { ما كان } هذا الدخول { يُغْنِي عَنْهُمْ } أى يدفع عنهم من قدر { الله مِن شَيْءٍ } قدره عليهم ، ولكن الذي حمل يعقوب على أمرهم بذلك ، حاجة أى رغبة خطرت في نفسه { قضاها } أى : أظهرها ووصاهم بها ولم يستطع إخفاءها لشدة حبه لهم مع اعتقاده بأن كل شئ بقضاء الله وقدره .

وقوله - سبحانه - { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } ثناء من الله - تعالى - على يعقوب بالعلم وحسن التدبير .

أى : وإن يعقوب - عليه السلام - لذو علم عظيم ، للشئ الذي علمناه إياه عن طريق وحينا ، فهو لا ينسى منه شيئاً إلا ما شاء الله .

وقوله { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } أى : لا يعلمون ما يعلمه يعقوب - عليه السلام - من أن الأخذ بالأسباب لا يتنافى مع التوكل على الله - تعالى - أو : ولكن أكثر الناس لا يعلمون ما أعطاه الله - تعالى - لأنبيائه وأصفيائه من العلم والمعرفة وحسن التأتى للأمور .

وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد فصلت الحديث عما دار بين إخوة يوسف وبين أبيهم في شأن سفر أخيهم معهم . . . فماذا كان بعد ذلك ؟

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (68)

يقول تعالى ، إخبارا عن يعقوب ، عليه السلام : إنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر ، ألا يدخلوا كلهم من باب واحد ، وليدخلوا من أبواب متفرقة ، فإنه كما قال ابن عباس ، ومحمد بن كعب ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسُّدِّي : إنه خشي عليهم العين ، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ، ومنظر وبهاء ، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم ؛ فإن العين حق ، تستنزل الفارس عن فرسه .

وروى ابن أبي حاتم ، عن إبراهيم النَّخعي في قوله : { وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ } قال : علم أنه سيلقى إخوته في بعض الأبواب .

وقوله : { وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } أي : هذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه{[15228]} ؛ فإن الله إذا أراد شيئا لا يخالف ولا يمانع{[15229]} { إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } قالوا : هي دفع إصابة العين لهم ، { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ } قال قتادة والثوري : لذو عمل بعلمه . وقال ابن جرير : لذو علم لتعليمنا إياه ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }


[15228]:- في ت : "قضاء الله وقدره".
[15229]:- في ت : "لا يمانع ولا يخالف".