البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (68)

ومن حيث أمرهم أبوهم أي : من أبواب متفرقة .

روي أنهم لما ودعوا أباهم قال لهم : بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له : إن أبانا يصلي عليك ، ويدعو لك ، ويشكر صنيعك معنا .

وفي كتاب أبي منصور المهراني : أنه خاطبة بكتاب قرئ على يوسف فبكى .

وجواب لما قوله : ما كان يغني عنهم من الله من شيء ، وفيه حجة لمن زعم أن لما حرف وجوب لوجوب لا ، ظرف زمان بمعنى حين ، إذ لو كانت ظرف زمان ما جاز أن تكون معمولة لما بعد ما النافية .

لا يجوز حين قام زيد ما قام عمرو ، ويجوز لما قام زيد ما قام عمرو ، فدل ذلك على أنّ لما حرف يترتب جوابه على ما بعده .

وقال ابن عطية : ويجوز أنْ يكون جواب لما محذوفاً مقدراً ، ثم يخبر عن دخولهم أنه ما كان يغني .

ومعنى الجملة : لم يكن في دخولهم متفرقين دفع قدر الله الذي قضاه عليهم من تشريفهم وافتضاحهم بذلك ، وأخذ أخيهم بوجدان الصاع في رحله ، وتزايد مصيبته على أبيهم ، بل كان إرباً ليعقوب قضاه وتطييباً لنفسه .

وقيل : معنى ما كان يغني عنهم من الله من شيء ، ما يرد عنهم قدراً لأنه لو قضى أنْ يصيبهم عين لإصابتهم متفرقين أو مجتمعين ، وإنما طمع يعقوب أن تصادف وصيته قدر السلامة ، فوصى وقضى بذلك حاجة نفسه في أن بقي يتنعم برجائه أن يصادف وصيته القدر في سلامتهم .

وإنه لذو علم يعني لقوله : إن الحكم إلا لله ، وما بعده وعلمه بأنّ القدر لا يدفعه الحذر .

وهذا ثناء من الله على يعقوب عليه السلام .

وقال قتادة : لعامل بما علمناه .

وقال سفيان : من لا يعمل لا يكون عالماً ، ولفظة ذو علم لا تساعده على هذا التفسير وإن كان صحيحاً في نفسه .

وقرأ الأعمش : مما علمناه .