فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (68)

{ ولما دخلوا } المدينة { من حيث أمرهم أبوهم } أي من الأبواب المتفرقة ولم يجتمعوا داخلين من باب واحد ، وجواب لما { ما كان يغني عنهم } ذلك الدخول أو رأي يعقوب واتباعهم له { من الله } أي من جهته { من شيء } من الأشياء مما قدره الله عليهم أي الذي أراد وقوعه فقد نسبوا للسرقة وأخذ منهم بنيامين وتضاعفت المصيبة على يعقوب لأن الحذر لا يدفع القدر .

والاستثناء بقوله { إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها } منقطع والمعنى ولكن حاجة كانت في نفسه وهي شفقته عليهم ومحبته لسلامتهم أظهرها يعقوب لهم ووصاهم بها غير معتقد أن للتدبير الذي دبره لهم تأثير في دفع ما قضاه الله عليهم وقيل أنه خطر ببال يعقوب أن الملك إذا رآهم مجتمعين مع ما يظهر فيهم من كمال الخلقة وسيما الشجاعة أوقع بهم حسدا وحقدا وخوفا منهم فأمرهم بالتفرق لهذه العلة .

وقد اختار هذا النحاس وقال لا معنى للعين هنا ، وفيه أن هذا لو كان السبب لأمرهم بالتفرق لم يخص النهي عن ذلك بالاجتماع عند الدخول من باب واحد لأن هذا الحسد أو الخوف يحصل باجتماعهم داخل المدينة كما يحصل باجتماعهم عند الدخول من باب واحد ، وقيل إن الفاعل في قضاها ضمير يعود إلى الدخول لا إلى يعقوب والمعنى ما كان الدخول يغني عنهم من جهة الله شيئا ولكنه قضى ذلك الدخول حاجة في نفس يعقوب لوقوعه حسب إرادته .

{ وإنه } أي وإن يعقوب { لذو علم } جليل { لما علمناه } أي لتعليمنا بالوحي ونصب الأدلة حيث لم يعتقد أن الحذر يدفع القدر وإن التدبير له حظ من التأثير حتى يتبين الخلل في رأيه عند تخلف الأثر ، وعلم أن ما قضاه الله سبحانه فهو كائن لا محالة وقيل غير ذلك ، وهذا أولى وفي تأكيد الجملة بإن واللام وتنكير العلم وتعليله بالتعليم المسند إلى ذاته سبحانه من الدلالة على جلالة شأن يعقوب عليه السلام وعلو مرتبة علمه وفخامته ما لا يخفى { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } بذلك كما ينبغي وقيل لا يعلمون إن الحذر مندوب إليه وإن كان لا يغني من القدر شيئا والسياق يدفعه وقيل المراد بأكثر الناس المشركون .