السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (68)

ولما قال يعقوب عليه السلام : { وما أغني عنكم من الله من شيء } صدّقه الله تعالى في ذلك فقال :

{ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم } ، أي : متفرّقين { ما كان } ذلك التفرّق { يغني عنهم من الله } ، أي : من قضائه وأغرق في النفي فقال : { من شيء } ، أي : مما قضاه عليهم كما تقدّم من قول يعقوب عليه السلام فسرّقوا وأخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله وتضاعفت المصيبة على يعقوب عليه السلام . وقوله تعالى : { إلا حاجة } استثناء منقطع ، أي : لكن حاجة { في نفس يعقوب } وهي الوصول إلى ما أمر به شفقة عليهم { قضاها } يعقوب عليه السلام وأبرزها من نفسه إلى أولاده فعملوا فيها بمراده فاغنى عنهم الخلاص من عقوق أبيهم فقط { وإنه } ، أي : يعقوب عليه السلام مع أمره لبنيه بذلك { لذو علم } ، أي : معرفة بالحكمين حكم التكليف وحكم التقدير واطلاع على الكونين عظيم { لما علمناه } بالوحي ونصب الحجج ، ولذلك قال : { وما أغني عنكم من الله من شيء } ولم يغتر بتدبيره . ولما كان قد يظنّ أنّ كل أحد يكون كذلك ، أي : يعلم ما علمه نفى ذلك سبحانه وتعالى بقوله جل شأنه { ولكنّ أكثر الناس } ، أي : لأجل ما نالهم من الاضطراب { لا يعلمون } ، أي : ليسوا بذوي علم لما علمناهم لإعراضهم عنه واستفراغ قواهم في الاهتمام بما وقع التكليف لهم به ومن أحوال الدنيا ومقابلة فطرهم القويمة السليمة بردّها إلى ما تدعوهم إليه الحظوظ والشهوات حتى لا يكون طب لمخلوق .