فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (68)

{ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } أي : من الأبواب المتفرقة ولم يجتمعوا داخلين من باب واحد . وجواب لما { مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُمْ } ذلك الدخول { مِنَ الله } أي : من جهته { مِن شَيْء } من الأشياء مما قدّره الله عليهم لأن الحذر لا يدفع القدر ، والاستثناء بقوله : { إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } منقطع ؛ والمعنى : ولكن حاجة كانت في نفس يعقوب ، وهي شفقته عليهم ، ومحبته لسلامتهم ، قضاها يعقوب ، أي : أظهرها لهم ، ووصاهم بها غير معتقد أن للتدبير الذي دبره لهم تأثيراً في دفع ما قضاه الله عليهم ، وقيل : إنه خطر ببال يعقوب أن الملك إذا رآهم مجتمعين مع ما يظهر فيهم من كمال الخلقة ، وسيما الشجاعة أوقع بهم حسداً وحقداً أو خوفاً منهم ، فأمرهم بالتفرّق لهذه العلة . وقد اختار هذا النحاس وقال : لا معنى للعين ها هنا . وفيه أن هذا لو كان هو السبب لأمرهم بالتفرّق ، ولم يخصّ النهي عن ذلك بالاجتماع عند الدخول من باب واحد ؛ لأن هذا الحسد أو الخوف يحصل باجتماعهم داخل المدينة ، كما يحصل باجتماعهم عند الدخول من باب واحد . وقيل : إن الفاعل في { قضاها } ضمير يعود إلى الدخول لا إلى يعقوب . والمعنى : ما كان الدخول يغني عنهم من جهة الله شيئاً ، ولكنه قضى ذلك الدخول حاجة في نفس يعقوب لوقوعه حسب إرادته { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلَّمْنَاهُ } أي : وإن يعقوب لصاحب علم لأجل تعليم الله إياه بما أوحاه الله من أن الحذر لا يدفع القدر ، وأن ما قضاه الله سبحانه فهو كائن لا محالة . { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } بذلك كما ينبغي ؛ وقيل : لا يعلمون أن الحذر مندوب إليه ، وإن كان لا يغني من القدر شيئاً ، والسياق يدفعه ؛ وقيل : المراد بأكثر الناس المشركون .

/خ76