التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

ثم بين - سبحانه - أنه قد أجاب ليونس دعاءه فقال : { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم } أى : من الحزن الذى كان فيه حين التقمه الحوت وصار فى بطنه .

وقد بين - سبحانه - فى آية أخرى ، أن يونس - عليه السلام - لو لم يسبح الله لبث فى بطن الحوت إلى يوم البعث . قال - تعالى - : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } وقوله - تعالى - : { وكذلك نُنجِي المؤمنين } بشارة لكل مؤمن يقتدى بيونس فى إخلاصه وصدق توبته ، ودعائه لربه .

أى : ومثل هذا الإنجاء الذى فعلناه مع عبدنا يونس ، ننجى عبادنا المؤمنين من كل غم ، متى صدقوا فى إيمانهم ، وأخلصوا فى دعائهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

وقوله : { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ } أي : أخرجناه من بطن الحوت ، وتلك الظلمات ، { وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } أي : إذا كانوا في الشدائد ودَعَونا منيبين إلينا ، ولا سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء ، فقد جاء الترغيب في الدعاء بها عن سيد الأنبياء ، قال الإمام أحمد :

حدثنا إسماعيل بن عُمَر ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق الهمداني ، حدثنا إبراهيم بن محمد{[19834]} ابن سعد ، حدثني والدي محمد عن أبيه سعد ، - وهو ابن أبي وقاص - قال : مررت بعثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، في المسجد ، فسلمت عليه ، فملأ عينيه مني ثم لم يَردُدْ عليّ السلام ، فأتيت عمر بن الخطاب فقلت : يا أمير المؤمنين ، هل حدث في الإسلام شيء ؟ مرتين ، قال : لا وما ذاك ؟ قلت : لا إلا أني مررتُ بعثمان{[19835]} آنفا في المسجد ، فسلمت عليه ، فملأ عينيه مني ، ثم لم يَرْدُد{[19836]} علي السلام . قال : فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه ، فقال : ما منعك ألا تكون رَدَدت على أخيك السلام ؟

قال : ما فعلتُ . قال سعد : قلتُ : بلى{[19837]} حتى حلفَ وحلفت ، قال : ثم إن عثمان ذكرَ فقال : بلى ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، إنك مررت بي آنفا وأنا أحدّث نفسي بكلمة سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا والله ما ذكرتها قط إلا تَغْشَى بصري وقلبي غشَاوة . قال سعد : فأنا أنبئك بها ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا [ أول دعوة ]{[19838]} ثم جاء أعرابي فشغله ، حتى قَام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته ، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض ، فالتفت إليّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من هذا ؟ أبو إسحاق ؟ " قال : قلت : نعم ، يا رسول الله . قال : " فمه ؟ " قلت : لا والله ، إلا أنك ذكرتَ لنا أول دعوة ، ثم جاء هذا الأعرابي فشغلك . قال : " نعم ، دعوةُ ذي النون ، إذ هو في بطن الحوت : { لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } ، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له " .

ورواه الترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " ، من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد ، عن أبيه ، عن سعد{[19839]} ، به{[19840]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن كَثِير بن زيد ، عن المطلب بن حنطب - قال أبو خالد : أحسبه عن مصعب ، يعني : ابن سعد - عن سعد{[19841]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من دعا بدعاء يونس ، استُجِيب{[19842]} له " . قال أبو سعيد : يريد به { وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }{[19843]} .

وقال ابن جرير : حدثني عمران بن بَكَّار الكَلاعي ، حدثنا يحيى بن صالح ، حدثنا أبو يحيى بن عبد الرحمن ، حدثني بِشْر بن منصور ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال : سمعت سعد بن مالك - وهو ابن أبي وقاص - يقول : سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اسم الله الذي إذا دُعي به أجاب ، وإذا سُئِل به أعطى ، دعوةُ يونس بن متى " . قال : قلت{[19844]} : يا رسول الله ، هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال : هي ليونس بن متى خاصة وللمؤمنين عامة ، إذا دعوا بها ، ألم تسمع قول الله عز وجل : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } . فهو شرط من الله لمن دعاه به " {[19845]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج ، حدثنا داود بن المُحَبَّر بن قَحْذَم المقدسي ، عن كثير بن معبد قال : سألت الحسن ، قلت : يا أبا سعيد ، اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى ؟ قال : ابنَ أخي ، أما تقرأ القرآن ؟ قول الله : { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } إلى قوله : { الْمُؤْمِنِينَ } ، ابن أخي ، هذا اسم الله الأعظم ، الذي إذا دُعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى .


[19834]:- في ت : "محمد بن إبراهيم".
[19835]:- في ف ، أ : "بعثمان بن عفان رضي الله عنه".
[19836]:- في ت : "يرد".
[19837]:- في ف: "ويلي".
[19838]:- زيادة من ف ، أ ، والمسند.
[19839]:- في ت : "ابن سعيد".
[19840]:- المسند (1/170) وسنن الترمذي برقم (3505) وسنن النسائي الكبرى برقم (10492).
[19841]:- في ت : "عن سعيد".
[19842]:- في ت : "استجبت".
[19843]:- ورواه الحاكم في المستدرك (2/584) من طريق يحيى بن عبد الحميد ، وابن عدي في الكامل (6/68) من طريق أبي هشام الرفاعي كلاهما عن أبي خالد الأحمر به.
[19844]:- في ت ، ف : "فقلت".
[19845]:- تفسير الطبري (17/65).