التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله : { قُلْ مَا . . . } .

قال القرطبى : يقال : ما عبأت بفلان ، أى : ما باليت به . أى : ما كان له عندى وزن ولا قدر . وأصل يعبأ : من العبء وهو الثقل . . . فالعبء : الحمل الثقيل ، والجمع أعباء . و " ما " استفهامية ، وليس يبعد أن تكون نافية ، لأنك إذا حكمت بأنها استفهام فهو نفى خرج مخرج الاستفهام ، وحقيقة القول عندى أن موضع " ما " نصب والتقدير أى عبء يعبأ بكم ربى ؟ أى : أى مبالاة يبالى بكم ربى لولا دعاؤكم . .

هذا ، وللعلماء فى تفسير هذه الآية أقوال منها : أن قوله - تعالى - : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ } خطاب للمؤمنين أو للناس جميعا ، وأن المصدر هو . دعاؤكم مضاف لفاعله ، وأن بقية الآية وهى قوله : { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ . . . } خطاب للكافرين ، والمعنى على هذا القول :

قل - أيها الرسول الكريم - للمؤمنين أو للناس جميعا ، أى اعتداد لكم عند ربكم لولا دعاؤكم ، أى : لولا عبادتكم له - عز وجل - أى : لولا إخلاصكم العبادة له لما اعتد بكم .

ثم أفرد الكافرين بالخطاب فقال : { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } أيها الكافرون { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } .

أى : فسوف يكون جزاء التكذيب " لزاما " أى : عذابا دائما ملازما لكم . فلزاما مصدر لام ، كقاتل قتالا ، والمراد به هنا اسم الفاعل .

وقد وضح صاحب الكشاف هذا القول فقال : لما وصف الله - تعالى - عبادة العباد ، وعدد صالحاتهم وحسناتهم . . . أتبع ذلك ببيان أنه إنما اكترث لأولئك وعبأ بهم وأعلى ذكرهم ، لأجل عبادتهم فأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصرح للناس ، ويجزم لهم القول ، بأن الاكتراث لهم عند ربهم ، إنما هو للعبادة وحدها لا لمعنى آخر . . .

وقوله { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } يقول : إذا أعلمتكم أن حكمى ، أنى لا أعتد بعبادى إلا من أجل عبادتهم ، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمى ، فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم فى النار . ونظيره فى الكلام أن يقول الملك لمن عصاه : " إن من عادتى أن أحسن إلى من يطيعنى ، ويتبع أمرى ، فقد عصيتَ فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك . . " .

ومن العلماء من يرى أن الخطاب فى الآية للكافرين ، وأن المصدر مضاف لمفعوله ، فيكون المعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين ، ما يعبأ بكم ربى ، ولا يكترث لوجودكم ، لولا دعاؤه إياكم على لسانى ، إلى توحيده وإخلاص العبادة له ، وبما أنى قد دعوتكم فكذبتم دعوتى . فسوف يكون عاقبة ذلك ملازمة العذاب لكم .

وهذا قول جيد ولا إشكال فيه وقد تركنا بعض الأقوال لضعفها ، وغناء هذين القولين عنها .

وبعد : فهذا تفسير لسورة " الفرقان " تلك السورة التى حكت شبهات المشركين وأبطلتها . وساقت من تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيته ، وبشرت عباد الرحمن بأرفع المنازل .

ونسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا منهم ، وأن يحشرنا فى زمرتهم .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

ثم قال{[21688]} تعالى : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي } أي : لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه ؛ فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلا .

وقال مجاهد ، وعمرو بن شعيب : { مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي } يقول : ما يفعل بكم ربي .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ } يقول : لولا إيمانكم ، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه{[21689]} إلى المؤمنين .

وقوله : { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } أي : أيها الكافرون { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } أي : فسوف يكون تكذيبكم{[21690]} لزامًا لكم ، يعني : مقتضيا لهلاككم وعذابكم ودماركم في الدنيا والآخرة ، ويدخل في ذلك يوم بدر ، كما فسره بذلك عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم .

وقال الحسن البصري : { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } يعني : يوم القيامة . ولا منافاة بينهما . والله أعلم .


[21688]:- في أ : "وقال".
[21689]:- في ف : "حبب".
[21690]:- في أ : "تكذيبهم".