أما النموذج الأول فنراه فى شخص النبيين الكريمين داود وسليمان - عليهما السلام - فقد قال - سبحانه - فى شأنهما : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً . . . العذاب المهين } .
وقوله - سبحانه - : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } بيان لما مَنّ الله - تعالى - به على عبده داود - عليه السلام - من خير وبركة .
أى : ولقد آتينا عبدنا فضلا عظيما ، وخيرا وفيرا ، وملكا كبيرا ، بسبب إنابته إلينا ، وطاعته لنا .
ثم فصل - سبحانه - مظاهر هذا الفضل فقال : { ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ } والتأويب الترديد والترجيع . يقال : أوَّب فلان تأويبا إذا رَجَّع مع غيره ما يقوله .
والجملة مقول لقول محذوف : أى : وقلنا يا جبال رددى ورجعى مع عبدنا داود تسبيحه لنا ، وتقديسه لذاتنا ، وثناءه علينا ، كما قال - تعالى - : { إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق } وقوله : { والطير } بالنصب عطفا على قوله { فَضْلاً } أى : وسخرنا له الطير لتسبح معه بحمدنا . أو معطوف على محل { ياجبال } أى : ودعونا الجبال والطير إلى التسبيح معه .
قال الإِمام ابن كثير - رحمه الله : يخبر - تعالى - عما به على عبده ورسوله داود - عليه السلام - مما آتاه من الفضل المبين ، وجمع له بين الانبوة والملك المتكن ، والجنود ذوى العَدَد والعُدَد ، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم ، الذى كان إذا سبح به ، تسبح معه الجبال الراسيات ، الصم الشامخات ، وتقف له الطيور السارحات . والغاديات الرائحات ، وتجاوبه بأنواع اللغات .
وفى الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبى موسى الأشعرى يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ثم قال : " لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود " " .
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : أى فريق بين هذا النظم وبين أن يقال : { آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } تأويب الجبال معه والطير ؟
قلت : كم بينهما من الفرق ؟ ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التى لا تخفى ، من الدلالة على عزة الربوبية وكبرياء الألوهية ، حيث جعلت الجبال مُنَزْلَةَّ مَنزِلَةَ العقلاء ، الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا ، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا ، إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت إلا وهو منقاد لمشيئته ، غير ممتنع على إرادته .
وقوله - تعالى - : { وَأَلَنَّا لَهُ الحديد } ، بيان لنعمة أخرى من النعم التى أنعم بها - سبحانه - عليه .
أى : وصيرنا الحديد لينا فى يده ، بحيث يصبح - مع صلابته وقوته - كالعجيبن فى يده ، يشسكله كيف يشاء ، من غير أن يدخله فى نار ، أو أن يطرقه بمطرقة .
فالجملة الكريمة معطوفة على قوله { آتَيْنَا } ، وهى من جملة الفضل الذى منحه - سبحانه - لنبيه داود - عليه السلام - .
( ولقد آتينا داود منا فضلاً . يا جبال أوبي معه والطير . وألنا له الحديد أن اعمل سابغات ، وقدّر في السرد ، واعملوا صالحاً . إني بما تعملون بصير ) . .
وداود عبد منيب ، كالذي ختم بذكره الشوط الأول : ( إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ) . . والسياق يعقب بقصته بعد تلك الإشارة ؛ ويقدم لها بذكر ما آتاه الله له من الفضل . ثم يبين هذا الفضل :
( يا جبال أوبي معه والطير ) . .
وتذكر الروايات أن داود عليه السلام أوتي صوتاً جميلاً خارقاً في الجمال ؛ كان يرتل به مزاميره ، وهي تسابيح دينية ، ورد منها في كتاب " العهد القديم " ما الله أعلم بصحته . وفي الصحيح أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] سمع صوت أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - يقرأ من الليل فوقف فاستمع لقراءته . ثم قال [ صلى الله عليه وسلم ] : " لقد أوتي هذا مزماراً من زمامير آل داود " .
والآية تصور من فضل الله على داود - عليه السلام - أنه قد بلغ من الشفافية والتجرد في تسابيحه أن انزاحت الحجب بينه وبين الكائنات ؛ فاتصلت حقيقتها بحقيقته ، في تسبيح بارئها وبارئه ؛ ورجّعت معه الجبال والطير ، إذ لم يعد بين وجوده ووجودها فاصل ولا حاجز ، حين اتصلت كلها بالله صلة واحدة مباشرة ؛ تنزاح معها الفوارق بين نوع من خلق الله ونوع ، وبين كائن من خلق الله وكائن ؛ وترتد كلها إلى حقيقتها اللدنية الواحدة ، التي كانت تغشى عليها الفواصل والفوارق ؛ فإذا هي تتجاوب في تسبيحها للخالق ، وتتلاقى في نغمة واحدة ، وهي درجة من الإشراق والصفاء والتجرد لا يبلغها أحد إلا بفضل من الله ، يزيح عنه حجاب كيانه المادي ، ويرده إلى كينونته اللدنية التي يلتقي فيها بهذا الوجود ، وكل ما فيه وكل من فيه بلا حواجز ولا سدود .
وحين انطلق صوت داود - عليه السلام - يرتل مزاميره ويمجد خالقه ، رجّعت معه الجبال والطير ، وتجاوب الكون بتلك الترانيم السارية في كيانه الواحد ، المتجهة إلى بارئه الواحد . . وإنها للحظات عجيبة لا يتذوقها إلا من عنده بها خبر ، ومن جرب نوعها ولو في لحظة من حياته !
وهو طرف آخر من فضل الله عليه . وفي ظل هذا السياق يبدو أن الأمر كان خارقة ليست من مألوف البشر . فلم يكن الأمر أمر تسخين الحديد حتى يلين ويصبح قابلاً للطرق ، إنما كان - والله أعلم - معجزة يلين بها الحديد من غير وسيلة اللين المعهودة . وإن كان مجرد الهداية لإلانة الحديد بالتسخين يعد فضلاً من الله يذكر . ولكننا إنما نتأثر جو السياق وظلاله وهو جو معجزات ، وهي ظلال خوارق خارجة على المألوف .
مناسبة الانتقال من الكلام السابق إلى ذكر داود خفيَّة . فقال ابن عطية : ذكر الله نعمته على داود وسليمان احتجاجاً على ما منح محمداً ، أي لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبيدنا قديماً .
وقال الزمخشري عند قوله : { إن في ذلك لآية لكل عبد منيب } [ سبأ : 9 ] لأن المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كلّ شيء من البعث ومن عقاب من يكفر به اهـ . فقال الطيبي : فيه إشارة إلى بيان نظم هذه الآية بقوله : { ولقد آتينا داود منا فضلاً } لأنه كالتخلص منه إليه ، لأنه من المنيبين المتفكرين في آيات الله ، قال تعالى : { واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب } [ ص : 17 ] اهـ . يريد الطيبي أن داود من أشهر المُثُل في المنيبين بما اشتهر به من انقلاب حاله بعد أن كان راعياً غليظاً إلى أن اصطفاه الله نبيئاً وملكاً صالحاً مُصْلِحاً لأمة عظيمة ، فهو مَثَل المنيبين كما قال تعالى : { واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب } وقال : { فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب } [ ص : 24 ] ، فلإِنابته وتأويبه أنعم الله عليه بنعم الدنيا والآخرة وباركه وبارك نسله . وفي ذكر فضله عبرة للناس بحسن عناية الله بالمنيبين تعريضاً بضد ذلك للذين لم يعتبروا بآيات الله ، وفي هذا إيماء إلى بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بعد تكذيب قومه وضيق حاله منهم سيؤول شأنه إلى عزة عظيمة وتأسيس ملك أمة عظيمة كما آلت حال داود ، وذلك الإِيماء أوضح في قوله تعالى : { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أوّاب } الآية في سورة ص ( 17 ) . وسمَّى الطيبي هذا الانتقال إلى ذكر داود وسليمان تخلصاً ، والوجه أن يسميه استطراداً أو اعتراضاً وإن كان طويلاً ، فإن الرجوع إلى ذكر أحوال المشركين بعدما ذكر من قصة داود وسليمان وسبأ يرشد إلى أن إبطال أحوال أهل الشرك هي المقصود من هذه السورة كما سننبه عليه عند قوله تعالى : { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه } [ سبأ : 20 ] .
وتقديم التعريف بداود عليه السلام عند قوله تعالى : { وآتينا داود زبوراً } في سورة النساء ( 163 ) وعند قوله : { ومن ذريته داود } في سورة الأنعام ( 84 ) .
و ( مِنْ ) في قوله : { منا } ابتدائية متعلقة ب { آتينا } ، أي من لدنّا ومن عندنا ، وذلك تشريف للفضل الذي أوتيه داود ، كقوله تعالى : { رزقاً من لدنا } [ القصص : 57 ] . وتنكير { فضلاً } لتعظيمه وهو فضل النبوءة وفضل المُلك ، وفضل العناية بإصلاح الأمة ، وفضل القضاء بالعدل ، وفضل الشجاعة في الحرب ، وفضل سَعَة النعمة عليه ، وفضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع دروع الحديد ، وفضل إيتائه الزبور ، وإيتائه حسن الصوت ، وطولَ العمر في الصلاح وغير ذلك .
وجملة { يا جبال أوبي معه } مقول قول محذوف ، وحذف القول استعمال شائع ، وفعل القول المحذوف جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لجملة { آتينا داود منا فضلاً } .
وفي هذا الأسلوب الذي نظمت عليه الآية من الفخامة وجلالة الخالق وعظم شأن داود مع وفرة المعاني وإيجاز الألفاظ وإفادة معنى المعية بالواو دون ما لو كانت حرف عطف .
والأمر في { أوبي معه } أمر تكوين وتسخير .
والتأويب : الترجيع ، أي ترجيع الصوت ، وقيل : التأويب بمعنى التسبيح لغة حبشية فهو من المعرب في اللغة العربية ، وتقدم ذكر تسبيح الجبال مع داود في سورة الأنبياء .
و { الطير } منصوب بالعطف على المنادَى لأن المعطوف المعرَّف على المنادى يجوز نصبُه ورفعه ، والنصب أرجح عند يونس وأبي عمرو وعيسى بن عمر والجَرْميّ وهو أوجه ، ويجوز أن يكون { والطير } مفعولاً معه ل { أوبي } . والتقدير : أوبي معه ومع الطير ، فيفيد أن الطير تأوّب معه أيضاً .
وإلانة الحديد : تسخيره لأصابعه حينما يلوي حَلَق الدروع ويغمز المسامير .
و { أنْ } تفسيرية لما في { ألنا له } من معنى : أشعرناه بتسخير الحديد ليُقدم على صنعه فكان في { ألنا } معنى : وأوحينا إليه : { أن اعمل سابغات } .
و { الحديد } تراب معدني إذا صُهر بالنار امتزج بعضه ببعض ولاَنَ وأمكن تطريقه وتشكيله فإذا برد تصلب . وقد تقدم عند قوله تعالى : { قل كونوا حجارة أو حديداً } في سورة الإِسراء ( 50 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولقد آتينا داود} أعطينا داود {منا فضلا} النبوة كقوله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم في سورة النساء: {وكان فضل الله عليك عظيما} [النساء:113]، يعني النبوة والكتاب، فذلك قوله عز وجل: {ولقد آتينا داود منا فضلا} النبوة والزبور وما سخر له من الجبل والطير والحديد ثم بين ما أعطاه، فقال عز وجل: {يا جبال أوبي معه} سبحي معه مع داود عليه السلام، يقول اذكري الرب مع داود، وهو التسبيح.
{و} سخرنا له {والطير وألنا له الحديد}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ولقد أعطينا داود منا فضلاً، وقلنا للجبال:"أوّبِي مَعَهُ": سبحي معه إذا سبح...
وقوله: "والطّيْرَ "وفي نصب الطير وجهان: أحدهما على ما قاله ابن زيد من أن الطير نُوديت كما نوديت الجبال، فتكون منصوبة من أجل أنها معطوفة على مرفوع، بما لا يحسن إعادة رافعه عليه، فيكون كالمصدر عن جهته. والآخر: فعل ضمير متروك استغني بدلالة الكلام عليه، فيكون معنى الكلام: فقلنا: يا جبال أوّبي معه، وسخرنا له الطير. وإن رفع ردّا على ما في قوله «سبحي» من ذكر الجبال كان جائزا. وقد يجوز رفع الطير وهو معطوف على الجبال، وإن لم يحسن نداؤها بالذي نُوديت به الجبال... وقوله: "وألَنّا لَهُ الحَدِيدَ "ذكر أن الحديد كان في يده كالطين المبلول يصرّفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نار، ولا ضرب بحديد.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ولقد آتينا داود منا فضلا} أي علما كقوله: {ولقد آتينا داود وسليمان علما} [النمل: 15]...
وقال بعضهم الفضل، هو المُلك الذي آتاه الله...
وقد آتى الله داوود من الفضل ما لو تكلّفنا عدّه وإحصاءه ما قدرنا عليه...
ثم اختلف في تسبيح الجبال والطير: قال بعضهم: تسبيح خلقة لا تسبيح قول ونطق لما جعل في خلقة كل شيء الشهادة له بالوحدانية والألوهية. لكن ذكر ههنا: أن سبّحي معه، ولو كان تسبيح خِلقة لم يكن لذكر التسبيح مع داوود فائدة لأن تسبيح الخِلقة، يكون كان معه داوود، أو لم يكن، ولكن جائز أن يجعل الله تعالى في سرّيّة الجبال من التسبيح ما يفهم منها داوود، ولم يفهم ذلك غيره على ما ذكرنا في قيل النملة لسائر النمل حين: {قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده} الآية [النمل: 18] جعل الله تعالى في سرّية النمل معنى، ألقى ذلك في مسامع سليمان، ففهم منها ذلك، ولم يلق ذلك في مسامع غيره من الجنود. فعلى ذلك تسبيح الجبال والطير، والله أعلم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{يا جبال} إمّا أن يكون بدلاً من {فَضْلاً}، وإمّا من {ءاتَيْنَا} بتقدير: قولنا يا جبال. أو: قلنا يا جبال...
و «أوبي» من التأويب. والأوب: أي رجعي معه التسبيح. أو ارجعي معه في التسبيح كلما رجع فيه؛ لأنه إذا رجعه فقد رجع فيه: ومعنى تسبيح الجبال: أنّ الله سبحانه وتعالى يخلق فيها تسبيحاً كما خلق الكلام في الشجرة، فيسمع منها ما يسمع من المسبح: معجزة لداود. وقيل: كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين، وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها...
فإن قلت: أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال: {ءاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً} تأويب الجبال معه والطير؟ قلت: كم بينهما. ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى: من الدلالة على عزّة الربوبية وكبرياء الإلهية، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذي إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا: إشعاراً بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت، إلا وهو منقاد لمشيئته، غير ممتنع على إرادته.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم ذكر تعالى نعمته على داود وسليمان احتجاجاً على ما منح محمداً، أي لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبدنا قديماً بكذا وكذا، فلما فرغ التمثيل لمحمد صلى الله عليه وسلم رجع التمثيل لهم بسبأ وما كان من هلاكهم بالفكر والعتو.
المسألة الأولى: {منا} إشارة إلى بيان فضيلة داود عليه السلام، فأي عاقل يستبعد ذلك من قدرة الله، قيل إنه طلب من الله أن يغنيه عن أكل مال بيت المال فألان له الحديد وعلمه صنعة اللبوس وهي الدروع، وإنما اختار الله له ذلك، لأنه وقاية للروح التي هي من أمره، وسعى في حفظ الآدمي المكرم عند الله من القتل.
المسألة الخامسة: لم يكن الموافق له في التأويب منحصرا في الجبال والطير ولكن ذكر الجبال، لأن الصخور للجمود، والطير للنفور تستبعد منهما الموافقة، فإذا وافقه هذه الأشياء فغيرها أولى، ثم إن من الناس من لم يوافقه، وهم القاسية قلوبهم التي هي أشد قسوة من الحجارة.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
بين لمنكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أن إرسال الرسل ليس أمرا بدعا، بل أرسلنا الرسل وأيدناهم بالمعجزات، وأحللنا بمن خالفهم العقاب.
مسألة: في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم؛ إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده).
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر طاعة أكثف الأرض وألطف الحيوان الذي أنشأه الله منها. ذكر ما أنشأه سبحانه من ذلك الأكثف، وهو أصلب الأشياء فقال: {وألنا له الحديد} أي الذي ولدناه من الجبال جعلناه في يده كالشمع يعمل منه ما يريد بلا نار ولا مطرقة.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
في تنزيل الجبال والطَّيرِ منزلةَ العُقلاءِ المُطيعين لأمره تعالى المُذعنينَ لحكمه المشعر بأنَّه ما من حيوانٍ وجمادٍ وصامتٍ وناطقٍ إلا وهو منقادٌ لمشيئته غير ممتنعٍ على إرادته من الفخامة المُعربةِ عن غاية عظمةِ شأنِه تعالى وكمال كبرياءِ سلطانِه ما لا يخفى على أولي الألباب.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يحوي هذا الشوط صوراً من الشكر والبطر، وصوراً من تسخير الله لمن يشاء من عباده قوى وخلقا لا تسخر عادة للبشر. ولكن قدرة الله ومشيئته لا يقيدهما مألوف البشر.
والآية تصور من فضل الله على داود -عليه السلام- أنه قد بلغ من الشفافية والتجرد في تسابيحه أن انزاحت الحجب بينه وبين الكائنات؛ فاتصلت حقيقتها بحقيقته، في تسبيح بارئها وبارئه؛ ورجّعت معه الجبال والطير، إذ لم يعد بين وجوده ووجودها فاصل ولا حاجز، حين اتصلت كلها بالله صلة واحدة مباشرة؛ تنزاح معها الفوارق بين نوع من خلق الله ونوع، وبين كائن من خلق الله وكائن؛ وترتد كلها إلى حقيقتها اللدنية الواحدة، التي كانت تغشى عليها الفواصل والفوارق؛ فإذا هي تتجاوب في تسبيحها للخالق، وتتلاقى في نغمة واحدة، وهي درجة من الإشراق والصفاء والتجرد لا يبلغها أحد إلا بفضل من الله، يزيح عنه حجاب كيانه المادي، ويرده إلى كينونته اللدنية التي يلتقي فيها بهذا الوجود، وكل ما فيه وكل من فيه بلا حواجز ولا سدود. وحين انطلق صوت داود -عليه السلام- يرتل مزاميره ويمجد خالقه، رجّعت معه الجبال والطير، وتجاوب الكون بتلك الترانيم السارية في كيانه الواحد، المتجهة إلى بارئه الواحد.. وإنها للحظات عجيبة لا يتذوقها إلا من عنده بها خبر، ومن جرب نوعها ولو في لحظة من حياته!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
مناسبة الانتقال من الكلام السابق إلى ذكر داود خفيَّة. فقال ابن عطية: ذكر الله نعمته على داود وسليمان احتجاجاً على ما منح محمداً، أي لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبيدنا قديماً.
وقال الزمخشري عند قوله: {إن في ذلك لآية لكل عبد منيب} [سبأ: 9] لأن المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كلّ شيء من البعث ومن عقاب من يكفر به اهـ. فقال الطيبي: فيه إشارة إلى بيان نظم هذه الآية بقوله: {ولقد آتينا داود منا فضلاً} لأنه كالتخلص منه إليه، لأنه من المنيبين المتفكرين في آيات الله، قال تعالى: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} [ص: 17] اهـ. يريد الطيبي أن داود من أشهر المُثُل في المنيبين بما اشتهر به من انقلاب حاله بعد أن كان راعياً غليظاً إلى أن اصطفاه الله نبيئاً وملكاً صالحاً مُصْلِحاً لأمة عظيمة، فهو مَثَل المنيبين كما قال تعالى: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} وقال: {فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب} [ص: 24]، فلإِنابته وتأويبه أنعم الله عليه بنعم الدنيا والآخرة وباركه وبارك نسله. وفي ذكر فضله عبرة للناس بحسن عناية الله بالمنيبين تعريضاً بضد ذلك للذين لم يعتبروا بآيات الله، وفي هذا إيماء إلى بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بعد تكذيب قومه وضيق حاله منهم سيؤول شأنه إلى عزة عظيمة وتأسيس ملك أمة عظيمة كما آلت حال داود، وذلك الإِيماء أوضح في قوله تعالى: {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أوّاب} الآية في سورة ص (17). وسمَّى الطيبي هذا الانتقال إلى ذكر داود وسليمان تخلصاً، والوجه أن يسميه استطراداً أو اعتراضاً وإن كان طويلاً، فإن الرجوع إلى ذكر أحوال المشركين بعدما ذكر من قصة داود وسليمان وسبأ يرشد إلى أن إبطال أحوال أهل الشرك هي المقصود من هذه السورة كما سننبه عليه عند قوله تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} [سبأ: 20].
وتقديم التعريف بداود عليه السلام عند قوله تعالى: {وآتينا داود زبوراً} في سورة النساء (163) وعند قوله: {ومن ذريته داود} في سورة الأنعام (84).
و (مِنْ) في قوله: {منا} ابتدائية متعلقة ب {آتينا}، أي من لدنّا ومن عندنا، وذلك تشريف للفضل الذي أوتيه داود، كقوله تعالى: {رزقاً من لدنا} [القصص: 57]. وتنكير {فضلاً} لتعظيمه وهو فضل النبوءة وفضل المُلك، وفضل العناية بإصلاح الأمة، وفضل القضاء بالعدل، وفضل الشجاعة في الحرب، وفضل سَعَة النعمة عليه، وفضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع دروع الحديد، وفضل إيتائه الزبور، وإيتائه حسن الصوت، وطولَ العمر في الصلاح وغير ذلك.
وجملة {يا جبال أوبي معه} مقول قول محذوف، وحذف القول استعمال شائع، وفعل القول المحذوف جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لجملة {آتينا داود منا فضلاً}.
وفي هذا الأسلوب الذي نظمت عليه الآية من الفخامة وجلالة الخالق وعظم شأن داود مع وفرة المعاني وإيجاز الألفاظ وإفادة معنى المعية بالواو دون ما لو كانت حرف عطف.
والأمر في {أوبي معه} أمر تكوين وتسخير.
والتأويب: الترجيع، أي ترجيع الصوت، وقيل: التأويب بمعنى التسبيح لغة حبشية فهو من المعرب في اللغة العربية، وتقدم ذكر تسبيح الجبال مع داود في سورة الأنبياء.
و {الطير} منصوب بالعطف على المنادَى لأن المعطوف المعرَّف على المنادى يجوز نصبُه ورفعه، والنصب أرجح عند يونس وأبي عمرو وعيسى بن عمر والجَرْميّ وهو أوجه، ويجوز أن يكون {والطير} مفعولاً معه ل {أوبي}. والتقدير: أوبي معه ومع الطير، فيفيد أن الطير تأوّب معه أيضاً.
وإلانة الحديد: تسخيره لأصابعه حينما يلوي حَلَق الدروع ويغمز المسامير.
و {أنْ} تفسيرية لما في {ألنا له} من معنى: أشعرناه بتسخير الحديد ليُقدم على صنعه فكان في {ألنا} معنى: وأوحينا إليه: {أن اعمل سابغات}.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
ولعله أريد بالآيات تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كان الكفار يقفون من دعوته إلى الله ذلك الموقف، فإن من عباده من يشكر نعمه ويقف منه موقف العابد الأواب المسبح دائما بحمده، وهم من أعظم الناس شأنا وسلطانا كداود وسليمان عليهما السلام.
بعد أن فتح الحق سبحانه باب التوبة لعباده، وأعطاهم الأمل حتى الكافرين منهم، وبعد أنْ فعلوا برسول الله ما فعلوا، وسعَوْا في آيات الله معاجزين ما يزال الحق سبحانه رحيماً بهم، حريصاً عليهم، فيلفت أنظارهم إلى واسع رحمته.
وكأنه سبحانه يقول لهم: لا تستكثروا أفعالكم وذنوبكم أمام رحمة الله، ولا تصدَّنكم هذه الذنوب عن التوبة والعودة إلى الله، وإنْ كنتم أذنبتمْ، فمن الرسل مَنْ حدثت هفوة من بعضهم مع أنهم أنبياء، فكأن الحق سبحانه مع هذا كله يلتمس لهم عذراً.
لذلك ذكر بعدها حكاية سيدنا داود: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً..} وفي موضع آخر بيَّن ما كان من أمر سيدنا داود:
{وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24].
إذن: لا تخجلوا أنْ تُنيبوا إلى الله؛ لأن سيدكم الذي أعطيته كذا وكذا لمَّا حدثتْ منه هفوة استغفر وخَرَّ راكعاً وأناب، يريد سبحانه أنْ يُحنِّن قلوبهم ليعودوا إلى أحضان ربهم.
كذلك سيدنا سليمان حدثتْ منه هفوة، فابتلاه الله وعاقبه، فتاب واستغفر، واقرأ:
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً..} [ص: 34] والجسد يعني: أنه أصبح لا يستطيع الحركة في ذاته
{ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [ص: 34-35] فماذا كان من أمره بعد أن استغفر
{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} [ص: 36-38].
ومعنى (الفضل) الشيء الزائد، وقد أعطى الله داود عليه السلام نِعَماً كثيرة لم يُعْطِها لكثير من الأنبياء، أعطاه الاصطفاءَ وأعطاه المنهج، وزاده نعمة أخرى خاصة به، وهي أنه ألان له الحديد، كما قال سبحانه: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ..}.
وكلمة {مِنَّا..} دلتْ على أن النعمة ليست من ذاتك، إنما من الله، فتقديم الجار والمجرور هنا أفاد قصْر النعمة على المنعِم سبحانه..
والفضل من الله يأتي الناس جميعاً، لكن الرسل لهم نِعَم متميزة، وفضل أعظم في صورة معجزات، ويُبيِّن الحق سبحانه فضله على نبيه داود بقوله: {يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}.
(يا جبال) نداء، فالله ينادي الجبال؛ لأنها تسمع وتعي هذا النداء {أَوِّبِي..} يعني: رجِّعي معه ما يقول وما يقرأ من الزبور أو من الذكر، وهنا دليل على أنه يفهم قول الجبال، وأنها تفهم قوله، وتُردِّد خلفه، إذن: للجبال منطق ولغة أفهمها اللهُ نبيَّه داود.
وقد تناولنا مسألة تسبيح الجمادات لمَّا تعرضنا لقوله تعالى:
{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..} [الإسراء: 44] ورددنا قول مَنْ قال إنه تسبيح الحال لا تسبيح المقال؛ لأن الله قال
{وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..} [الإسراء: 44] وما دام قد حكم سبحانه أننا لا نفقه تسبيحهم، فهو تسبيح بالقول.
والذين قالوا بتسبيح الدلالة استعظموا أنْ يكون للجبل كلام ولغة وتفاهم، لكن هل للجبل كلام معك أنت؟ للجبل كلام مع ربه وخالقه الذي قال:
{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
إذن: ما دَخْلك أنت في هذه المسألة؟ ولماذا تنكرها؟
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ..} [الرعد: 13] فجمع بين تسبيح الرعد وهو جماد وتسبيح الملائكة، وهم على أجناس المخلوقات، وأين وجه الدلالة في تسبيح الملائكة؟ فلماذا العجب، وقد ثبت أن لكل شيء لغة تناسبه، وقد رأينا لغة للهدهد، ولغة للنمل.. إلخ.
فعظمة سيدنا داود أنه فهم لغة الجبال، وسمع تسبيحها، ووافق تسبيحُها تسبيحَه، كذلك {وَالطَّيْرَ..} يعني: يا طير أوِّب مع داود، وردِّد معه التسبيح.
{وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} وهذه معجزة أخرى لسيدنا داود، وإذا قال الله عدة أشياء، ثم حدث في الواقع أنه صدق في واحدة، ألاَ أُصدِّقه في الأخرى؟
فإذا قال سبحانه {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} فلا بُدَّ أن نصدِّق بذلك، وأن نعتقد أن الحديد صار في يد سيدنا داود مثل طين الصلصال الذي يشكِّله الأطفال كيفما أرادوا، لأن البعض يرى أن {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} يعني: علَّمه الله أن النار تذيب الحديد، ولو أن الأمر كذلك فليس فيه معجزة، ولا ميزة على غيره من الناس.
وللحديد ميزات عدة، وأنواع مختلفة، وتتوقف مدى أهميته على مدى صلابته، ولأهميته أنزله الله من عَلٍ كما أنزل الكتب؛ لذلك تكلم سبحانه في سورة الحديد عن الرسل مثل موسى وعيسى -عليهما السلام- وتكلم عن إنزال الكتب، وقال عن الحديد:
{وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ..} [الحديد: 25].
ومعلوم أن الإنزال يأتي من جهة العلو، فالحق سبحانه أنزل الكتب ينطق بها الرسل لهداية المهتدى الذي يسمع، وأنزل الحديد لردع العاصي وزَجْره، ففي الحديد بأس شديد في وقت الحرب، ومنافع للناس في وقت السلم.
{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25] ينصره في أيِّ شيء؟ ينصره في الحديد، وفي استخدامه وقت الحروب، وسيدنا داود -عليه السلام- آتاه الله، وأنزل عليه هذا وهذا: الكتاب للهداية، والحديدَ للحرب.
لذلك قال له: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ..} [سبأ: 11]
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
... تذكر الآية فضيلة مادية أخرى فتقول: (وألنّا له الحديد).
يمكن القول، بأنّ الله تعالى علّم داود إعجازاً ما استطاع بواسطته تليين الحديد حتّى يمكنه من صنع أسلاك رقيقة وقوية لنسج الدروع منها، أو أنّه كان قبل داود يستفاد من صفائح الحديد لصناعة الدروع والإفادة منها في الحروب، ممّا كان يسبّب حرجاً وإزعاجاً للمحاربين نتيجة ثقل الحديد من جهة، وعدم قابلية تلك الدروع للانحناء أو الالتواء حين ارتدائها، ولم يكن أحدٌ قد استطاع حتّى ذلك اليوم نسج الدروع من أسلاك الحديد الرفيعة المحكمة، ليكون لباساً يمكن ارتداؤه بسهولة والإفادة من قابليته على التلوّي والانحناء مع حركة البدن برقّة وانسياب 126.
ولكن ظاهر الآية يدلّل على أنّ ليونة الحديد تمّت لداود بأمر إلهي، فما يمنع الذي أعطى لفرن النار خاصية إلانة الحديد، أن يعطي هذه الخاصية لداود بشكل آخر، وقد أشارت بعض الروايات أيضاً إلى هذا المعنى.