التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

ثم بين - سبحانه - ما حدث لموسى بعد أن اقترب من النار فقال : { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يا موسى إني أَنَاْ رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بالواد المقدس طُوًى } .

أى : فلما أتى موسى - عليه السلام - إلى النار ، واقترب منها . . . { نُودِيَ } من قبل الله - عز وجل - { ياموسى إني أَنَاْ رَبُّكَ } الذى خلقك فسواك فعدلك . . . { فاخلع نَعْلَيْكَ } تعظيما لأمرنا . وتأدبا فى حضرتنا .

وقوله { إِنَّكَ بالواد المقدس طُوًى } تعليل للأمر بخلع النعل ، أى : أزل نعليك من رجليك لأنك الآن موجود بالوادى { المقدس } أى : المظهر المبارك ، المسمى طوى : فهو عطف بيان من الوادى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

9

ثم إذا الوجود كله من حوله يتجاوب بذلك النداء : إني أنا ربك فاخلع نعليك . إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك . . .

إن تلك الذرة الصغيرة الضعيفة المحدودة تواجه الجلال الذي لا تدركه الأبصار . الجلال الذي تتضاءل في ظله الأرض والسماوات . ويتلقى . يتلقى ذلك النداء العلوي بالكيان البشري . . فكيف ? كيف لولا لطف الله ?

إنها لحظة ترتفع فيها البشرية كلها وتكبر ممثلة في موسى - عليه السلام - فبحسب الكيان البشري أن يطيق التلقي من ذلك الفيض لحظة . وبحسب البشرية أن يكون فيها الاستعداد لمثل هذا الاتصال على نحو من الأنحاء . . كيف ? لا ندري كيف ! فالعقل البشري ليس هنا ليدرك ويحكم ، إنما قصاراه أن يقف مبهوتا يشهد ويؤمن !

( فلما أتاها نودي يا موسى : إني أنا ربك . . )نودي بهذا البناء للمجهول . فما يمكن تحديد مصدرالنداء ولا اتجاهه . ولا تعيين صورته ولا كيفيته . ولا كيف سمعه موسى أو تلقاه . . نودي بطريقة ما فتلقى بطريقة ما . فذلك من أمر الله الذي نؤمن بوقوعه ، ولا نسأل عن كيفيته ، لأن كيفيته وراء مدارك البشر وتصورات الإنسان

يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى . . إنك في الحضرة العلوية . فتجرد بقدميك . وفي الوادي الذي تتجلى عليه الطلعة المقدسة ، فلا تطأه بنعليك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

{ إني أنا ربك } فتحه ابن كثير وأبو عمرو أي بأني وكسره الباقون بإضمار القول أو إجراء النداء مجراه ، وتكرير الضمير للتوكيد والتحقيق . قيل إنه لما نودي قال : من المتكلم قال : إني أنا الله ، فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال : أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء . وهو إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام تلقى من ربه كلامه تلقيا روحانيا ، ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحسن المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة . { فاخلع نعليك } أمره بذلك لأن الحفوة تواضع وأدب ولذلك طاف السلف حافين . وقيل لنجاسة نعليه فإنهما كانتا من جلد حمار غير مدبوغ . وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل . { إنك بالواد المقدس } تعليل للأمر باحترام البقعة والمقدس يحتمل المعنيين . { طوى } عطف بيان للوادي ونونه ابن عامر والكوفيون بتأويل المكان . وقيل هو كثني من الطي مصدر ل { نودي } أو { المقدس } أي : نودي نداءين أو قدس مرتين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «إني » بكسر الألف على الابتداء ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «أني » بفتح الألف على معنى «لأجل أني » { أنا ربك فاخلع نعليك } ، و { نودي } قد توصل بحرف الجر وأنشد أبو علي : [ الكامل ]

ناديت باسم ربيعة بن مكدم . . . ان المنوه باسمه الموثوق{[8082]}

واختلف المتأولون في السبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين ، فقالت فرقة كانتا من جلد حمار ميت فأمر بطرح النجاسة ، وقالت فرقة بل كانت نعلاه من جلد بقرة ذكي لكن أمر بخلعها لينال بركة الوادي المقدس وتمس قدماه تربة الوادي ، وتحتمل الآية معنى آخر هو الأليق بها عندي ، وذلك أن الله تعالى أمره أن يتواضع لعظم الحال التي حصل فيها ، والعرف عند الملوك أن تخلع النعلان ويبلغ الإنسان إلى غاية تواضعه ، فكأن موسى عليه السلام أمر بذلك على هذا الوجه ، ولا نبالي كانت نعلاه من ميتة أو غيرها ، و { المقدس } معناه المطهر ، و { طوى } معناه مرتين مرتين ، فقالت فرقة معناه قدس مرتين ، وقالت فرقة معناه طويته أنت ، أي سرت به ، أي طويت لك الأرض مرتين من طيك ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «طوىً » بالتنوين على أنه اسم المكان ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «طوى » على أنه اسم البقعة دون تنوين ، وقرأ هؤلاء كلهم بضم الطاء ، وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو بكسر الطاء ، وقرأت فرقة «طاوي » وقالت فرقة هو اسم الوادي ، و «طوى » على التأويل الأول بمنزلة قولهم ثنى وثنى أي مثنياً .

وقرأت فرقة " بالواد المقدس طاوى " .


[8082]:نوهت باسمه: رفعت ذكره، يقال: نوه فلان بفلان إذا رفعه وطير به وقواه، وفي حديث الزبير: أنه نوه به علي، أي: شهره وعرفه. والموثوق: يريد الموثوق به، يقال: وثق به يثق: ائتمنه، فالشاعر هنا يرفع ذكر ربيعة هذا ويثق به لأنه موضع الثقة. والشاهد أنه وصل الفعل (نادى) بحرف الجر حين قال: (ناديت باسم ربيعة)، هذا وربيعة بن مكدم فارس جاهلي مشهور، وبنته أم عمرو، ولها شعر ترثيه به، قال ذلك في (التاج)، ولعل هذا البيت من شعرها فيه. وقال في اللسان: رجل مكدم إذا لقي قتالا فأثرت فيه الجراح.