فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

{ إني أنا ربك } فعرف أنه كلام الله تعالى وليس هذا النداء والخطاب هو الذي وقع فيه الصعقة ودك الجبل كما تقدم ذكره في سورة الأعراف ، بل هذا غيره ؛ إذ هذا أول بدء رسالته ، وذاك إنما كان بعد غرق فرعون حين أعطاه الله التوراة .

{ فاخلع نعليك } أمره الله سبحانه بخلع نعليه تعظيما ، لأن الحفوة أبلغ في التواضع وأقرب إلى التشريف والتكريم وحسن التأدب . وقيل معناه انزعهما لتصيب قدميك بركة الوادي المقدس ، والأول أولى ، قيل ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين .

قال النسفي : والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها ، فخلعهما وألقاهما من وراء الوادي انتهى ، وقيل لأنهما كانا من جلد حمار ميت أو من جلد مدبوغ ، قاله علي وابن مسعود من عن السدي وقتادة ، وقيل معنى الخلع لهما تفريغ القلب من الأهل والمال وهو من بدع التفاسير ، ثم علل سبحانه الأمر بالخلع فقال :

{ إنك بالواد المقدس } أي المطهر ، والمبارك والقدس الطهارة ، والأرض المقدسة المطهرة ، سميت بذلك لأن الله تعالى أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين { طوى } اسم للوادي ، قال الجوهري : هو اسم موضع بالشام يكسر طاؤه ويضم ويصرف ولا يصرف ، فمن صرفه وجعله اسم واد ومكان جعله نكرة ، ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة ، وقيل طوى كثني من الطي مصدر لنودي أو للمقدس ، أي نودي نداءين أو قدس مرة بعد أخرى ، قال ابن عباس : يعني الأرض المقدسة وذلك أنه مر بواديها ليلا فطوى ، يقال طويت وادي كذا وكذا ، وقيل طوى واد مستدير عميق ، مثل المطوي في استدارته .