الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

وقرأَ نَافِعٌ وغيرُه : إنِّي [ طه : 12 ] .

بكسر الهمزة على الابْتداءِ ، وقرأَ أَبُو عَمْرو ، وابن كَثِير : «أَنِّي » بفتحها على معنى : لأَجل { أَنِّي أَنا رَبُّك ، فَاخْلَعْ نعليك } ،

واخْتُلِفَ في السبب الذي مِنْ أَجْله أُمِرَ بخلْعِ النعلين : فقالتْ فِرْقَةٌ : كَانَتَا من جِلْد حَمِارٍ مَيِّتٍ ، فأُمِرَ بِطَرْحِ النَّجَاسَةِ ، وقالت فرقةٌ : بل كَانَتْ نَعْلاَهُ مِنْ جِلْدِ بقَرَةٍ ذَكِيّ ؛ لكن أُمِر بخلعهما لينَالَ بركَةَ الوَادِي المُقدَّسِ ، وتمَسَّ قَدَماهُ تُرْبَةَ الوَادِي .

قال ( ع ) : وتحتمل الآيةُ مَعْنًى آخَرَ ، هو الأَليقُ بها عِنْدِي وهو : أَن اللّه تعالى أمرِه أنْ يتأدَّبَ ، ويتَوَاضَعَ ؛ لعظم الحَالِ الَّتي حَصَلَ فيها ، والعُرْف عِنْد المُلُوكِ : أَنْ تُخلَعَ النَّعْلاَنِ ، ويبلغُ الإنْسان إلَى غاية تَوَاضُعِهِ ، فكانَّ موسى عليه السلام أُمِر بذلك عَلَى هذا الوجه ، وَلاَ نُبَالِي كيفَ كَانَتْ نَعْلاَهُ من ميتة أوْ غيرها . و{ المقدس } : معناه المطهَّرُ ، و{ طُوىً } : معناه مَرَّتَيْنِ ، فقالت فرقةٌ : معناه قُدِّسَ مرتيْنِ ، وقالت فِرْقةٌ : معناه طُوِيَتْ لك الأَرْضُ مَرَّتَيْنِ من ظنك ، قال الفَخْرُ : وقِيلَ : إنَّ طُوًى اسم وادٍ بالشام ، وهو عند الطُّورِ الذي أَقْسم اللّه به في القرآن ، وقيل : إنَّ { طُوىً } بمعنى : يَا رَجُلُ ، بالعَبْرَانِيَّةِ ، كأنه قِيلَ : يا رجل اذهب إلَى فِرْعون . انتهى .

«من تفسيره لسورة والنازعات » .