إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

{ إِنّي أَنَاْ رَبُّكَ } أو عومل النداءُ معاملةَ القول لكونه ضرباً منه ، وقرئ بالفتح أي بأني ، وتكريرُ الضمير لتأكيد الدليلِ وتحقيقِ المعرفة وإماطةِ الشبهة . روي أنه لما نودي يا موسى ، قال عليه الصلاة والسلام : من المتكلم ؟ فقال الله عز وجل : «أنا ربك » فوسوس إليه إبليسُ : لعلك تسمع كلامَ شيطان ، فقال : أنا عرفتُ أنه كلامُ الله تعالى بأني أسمعه من جميع الجهاتِ بجميع الأعضاء . قلت : وذلك لأن سماعَ ما ليس من شأنه ذلك من الأعضاء ليس إلا من آثار الخلاق العليم تعالى وتقدس ، وقيل : تلقّى عليه الصلاة والسلام كلامَ رب العزة تلقياً روحانياً ثم تمثل ذلك الكلامُ لبدنه وانتقل إلى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهه { فاخلع نَعْلَيْكَ } أُمر عليه الصلاة والسلام بذلك لأن الحفْوةَ أدخلُ في التواضع وحسنِ الأدب ، ولذلك كان السلفُ الصالحون يطوفون بالكعبة حافين ، وقيل : ليباشر الواديَ بقدميه تبركاً به ، وقيل : لما أن نعليه كانتا من جلد حمارٍ غيرِ مدبوغ ، وقيل : معناه فرِّغْ قلبَك من الأهل والمال ، والفاء لترتيب الأمر على ما قبلها فإن ربوبيته تعالى له عليه الصلاة والسلام من موجبات الأمر وداوعيه وقوله تعالى : { إِنَّكَ بالواد المقدس } تعليلٌ لوجوب الخَلْع المأمور به وبيانٌ لسبب ورودِ الأمر بذلك من شرف البُقعة وقُدْسِها ، روي أنه عليه الصلاة والسلام خلعهما وألقاهما وراء الوادي { طُوى } بضم الطاء غيرُ منوّن ، وقرئ منوناً ، وقرئ بالكسر منوناً وغيرَ منّون ، فمَنْ نوّنه أوّله بالمكان دون البقعة ، وقيل : هو كثني الطي مصدرٌ لنوديَ أو المقدس أي نودي نداءين أو قُدّس مرة بعد أخرى .