البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

وقرأ الجمهور : { إني } بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين ، وعلى معاملة النداء معاملة القول لأنه ضرب منه على مذهب الكوفيين .

و { أنا } مبتدأ أو فصل أو توكيد لضمير النصب ، وفي هذه الأعاريب حصل التركيب لتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة .

وقرأ ابن كثير وأبو عمر : وأني بفتح الهمزة والظاهر أن التقدير بأني { أنا ربك } .

وقال ابن عطية : على معنى لأجل { إني أنا ربك فاخلع نعليك } و { نودي } قد توصل بحرف الجر وأنشد أبو عليّ :

ناديت باسم ربيعة بن مكدم *** إن المنوّه باسمه الموثوق

انتهى .

وعلمه بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقاً منه تعالى فيه أو بالاستدلال بالمعجزة ، وعند المعتزلة لا يكون ذلك إلاّ بالمعجز فمنهم من عينه ومنهم من قال : لا يلزم أن يعرف ما ذلك المعجز قالوا : ولا يجوز أن يكون ذلك بالعلم الضروري لأنه ينافي التكليف ، والظاهر أن أمره تعالى إياه بخلع النعلين لعظم الحال التي حصل فيها كما يخلع عند الملوك غاية في التواضع .

وقيل : كانتا من جلد حمار ميت فأمر بطرحهما لنجاستهما .

وفي الترمذي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « كان على موسى يوم كلمه ربه كساء صوف وجبّة صوف وكمة صوف وسراويل صوف ، وكانت نعلاه من جلد حمار ميت » قال : هذا حديث غريب ، والكمة القلنسوة الصغيرة وكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ قول عكرمة وقتادة والسدّي ومقاتل والكلبي والضحاك .

وقيل : كانتا من جلد بقرة ذكي لكن أمر بخلعهما لبيان بركة الوادي المقدس ، وتمس قدماه تربته وروي أنه خلق نعليه وألقاهما من وراء الوادي .

و { المقدس } المطهر و { طوى } اسم علم عليه فيكون بدلاً أو عطف بيان .

وقرأ الحسن والأعمش وأبو حيوة وابن أبي إسحاق وأبو السمال وابن محيص بكسر الطاء منوناً .

وقرأ الكوفيون وابن عامر بضمها منوناً .

وقرأ الحرميان وأبو عمرو بضمها غير منون .

وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو بكسرها غير منون .

وقرأ عيسى بن عمر والضحاك طاوى أذهب فمن نون فعلى تأويل المكان ، ومن لم ينون وضم الطاء فيحتمل أن يكون معدولاً عن فعل نحو زفر وقثم ، أو أعجمياً أو على معنى البقعة ، ومن كسر ولم ينون فمنع الصرف باعتبار البقعة .

وقال الحسن : { طوى } بكسر الطاء والتنوين مصدر ثنيت فيه البركة والتقديس مرتين فهو بوزن الثناء وبمعناه وذلك لأن الثنا بالكسر والقصر الشيء الذي تكرره ، فكذلك الطوى على هذه القراءة .

وقال قطرب { طوى } من الليل أي ساعة أي قدس لك في ساعة من الليل لأنه نودي بالليل ، فلحق الوادي تقديس محدد أي { إنك بالواد المقدس } ليلاً .